مستقبل «الناتو» بين الطموحات والتحديات
ردع موسكو واالستعداد الحتمال عودة ترامب أوًال
تصاعدت التحديات أمام حلف شمال األطلسي الذي دخل مرحلة جديدة من تاريخه، إذ تحقق روسيا تقدمًا على الجبهة األوكرانية في مقابل تراجع الدعم، خصوصًا األميركي، لكييف، وسط مخاوف لدى دول الحلف من عودة دونالد ترامب للرئاسة
احـــتـــفـــال حـــلـــف شـــمـــال األطــلــســي (الناتو) بذكرى تأسيسه، اختلف هـــذه املـــــرة، بـالـنـظـر إلـــى ضخامة األهـــــــداف، الــتــي يـطـمـح لـتـحـقـيـقـهـا، وجـمـلـة التحديات املطروحة أمامه، وأهمها الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تزداد اشتعاال، وتـحـقـق روســـيـــا فـيـهـا تـقـدمـا مـلـحـوظـا، في الــــوقــــت الــــــذي يــتــبــاطــأ فـــيـــه الــــدعــــم الـــغـــربـــي، خـــاصـــة األمـــيـــركـــي، لــكــيــيــف. ومــــن أجــــل ذلــك ارتفع صوت الرئيس األوكراني فولوديمير زيــلــيــنــســكــن أخــــيــــرًا، مــــحــــذرًا مــــن أن بــــاده ســتــخــســر الــــحــــرب، مــــا لــــم يـــقـــر الــكــونــغــرس األميركي حزمة املساعدات العسكرية البالغة 60 مليار دوالر. جرى االلتزام بإحياء ذكرى تأسيس حلف شمال األطلسي في الرابع من إبريل/نيسان .1949 والتقى وزراء خارجيته في مقره ببروكسل، من أجل مناقشة العديد من القضايا الرئيسية. لكن االحتفال الكبير تم ترحيله إلى القمة الدورية املقرر انعقادها بواشنطن في يوليو/تموز املقبل، وينتظر أن تــكــون ذات طــابــع مـخـتـلـط احــتــفــالــي من جــــهــــة، ومـــــن جـــهـــة أخـــــــرى مـــحـــطـــة لـــلـــخـــروج بــــتــــصــــورات تـــخـــص جــمــلــة مــــن املــــســــائــــل، ال تــتــعــلــق بــــجــــدول األعـــــمـــــال بــــن قـــمـــتـــن، بـل تتجاوزه نحو خاصات استراتيجية، منها رفـــع عــديــد قـــوات الـحـلـف، وتحقيق قـــدر من التوازن بن قوات الدول املنضوية فيه، األمر الــــذي ســـيـــؤدي إلــــى نـسـبـة تـجـيـيـش كـبـيـرة، وزيادة اإلنفاق الدفاعي بما يناسب تحديات املرحلة املقبلة. وهـنـاك ماحظة مهمة تستوجب اإلشـــارة إليها، وهي أن هناك أجواء من الشك وعدم اليقن حــول مستقبل الـحـلـف، الـــذي ينظر إلـــيـــه بــعــض املــحــلــلــن الــغــربــيــن عــلــى أنــه دخـــل فــي عـامـه الـخـامـس والـسـبـعـن، وهـو يمر بمرحلة من الترهل والتردد والخشية مـــن الــشــيــخــوخــة، عــلــى حـــد تـعـبـيـر الـكـاتـب الــبــريــطــانــي ســـتـــان رايـــنـــنـــغ، مـــؤلـــف كـتـاب «الـنـاتـو، مـن الـحـرب الــبــاردة إلــى أوكرانيا، تـاريـخ للتحالف األقـــوى فـي الـعـالـم». ويتم الـنـظـر إلـــى تــراخــي املــوقــف تـجـاه أوكـرانـيـا كمثال على ذلك. وتسود شكوك بأن بعض الدول تفضل استنزاف روسيا في أوكرانيا على تحقيق النصر العسكري عليها. وبدال من تعزيز الــردع بوجه روسيا، التي تهدد باستخدام الساح النووي ضد أعضاء في حــلــف شــمــال األطــلــســي هــنــاك حــالــة تـــردد، على عكس الحماسة التي دبت في صفوف الجميع في بداية الحرب. وبدا ظل الرئيس األمــيــركــي الــســابــق دونـــالـــد تــرامــب مخيما عــلــى الــحــلــف، وظــهــر فـــي لـهـجـة الـصـحـافـة الغربية، التي غطت املناسبة، أن الخشية من وصوله للرئاسة في انتخابات الخريف املــقــبــل، حـــضـــرت فـــي كــوالــيــس اجــتــمــاعــات وزراء الــخــارجــيــة. وتــحــدث دبـلـومـاسـيـون غــربــيــون، إلـــى وســائــل اإلعــــام، عــن مقترح
زاد األوروبيون وكندا اإلنفاق للعام التاسع على التوالي
تـــــقـــــدم بــــــه األمــــــــــن الــــــعــــــام لـــلـــحـــلـــف يــنــس سـتـولـتـنـبـرغ، يتضمن أن يــأخــذ «الــنــاتــو» عـلـى عـاتـقـه الــعــمــل، تحسبا لــتــطــورات من بينها خـفـض الــدعــم األمــيــركــي ألوكــرانــيــا، إذا عــــاد تـــرامـــب إلــــى الــبــيــت األبـــيـــض. ولــم تكف لطمأنة الحلفاء تصريحات الرئيس األميركي جو بايدن في املناسبة أنه «حلف مــــقــــدس». وهــــنــــاك مــــؤشــــرات عــــديــــدة عـلـى اجــتــمــاعــات وتـــحـــركـــات، يـــقـــوم بــهــا بعض أعـضـاء «الـنـاتـو» الفاعلن، مثل بريطانيا وفـرنـسـا، مـن أجــل تـفـادي حـصـول مفاجأة مـن قبيل عــودة تـرامـب، الــذي قـد ال يتوقف عند التهديد والــوعــيــد، بــل يمكن أن ينفذ ذلك، وينسحب من الحلف. مـع العلم أن جــون بـولـتـون، مستشار األمـن القومي خال جزء من والية ترامب، ذكر في كتابه «الغرفة التي شهدت األحداث: مذكرات مــن الـبـيـت األبــيــض» The Room Where It( ،)Happened: A White House Memoir أن الـرئـيـس األمــيــركــي الـسـابـق كـــان عـلـى وشـك اتخاذ قرار االنسحاب من «الناتو» قبيل قمة الحلف في بروكسل عام .2018 وقـــد جـــرى الــتــوقــف مـــطـــوال خـــال اجـتـمـاع وزراء دفاع الحلف منتصف فبراير/ شباط املــاضــي، عند نقطتن أساسيتن. األولـــى، هي وفاء الدول األعضاء بتخصيص نسبة اثـنـن فـي املـائـة مـن الـنـاتـج املحلي ملـوازنـة الحلف الدفاعية. وكان ترامب أعلن، أخيرًا، أنه «سيشجع روسيا على مهاجمة أي دولة منضوية في الناتو ال تنفق ما يكفي على الدفاع». وأبرز التقرير السنوي للحلف لعام 2023 أن الحلفاء األوروبــيــن وكـنـدا زادوا اإلنفاق الدفاعي للعام التاسع على التوالي، إذ ارتفع بنسبة 11 في املائة مقارنة بعام ،2022 واستوفى 11 حليفا املبدأ التوجيهي املتمثل في إنفاق اثنن في املائة من ناتجهم املحلي اإلجمالي على الدفاع، وأوائل العام ،2024 ارتفع هـذا العدد إلـى 18 دولــة. ومن املعروف أن الواليات املتحدة تسهم بـ76 في املائة من اإلنـفـاق العسكري املشترك، الذي قدر في 2023 بحوالي 1.1 تريليون دوالر. والــنــقــطــة الــثــانــيــة، هـــي تــســديــد كـــل الــــدول حصتها في موازنة الحلف، حيث إن هناك 13 دولة متخلفة عن ذلك من أصل 23، بعد انضمام السويد وفنلندا إلى «الناتو». واملـــؤشـــر الـــثـــانـــي، ظــهــور قــلــق فـــي أوســــاط األعضاء الفاعلن من تراجع الدعم األميركي ألوكرانيا، ولخص ذلك االستجابة الفاترة لـــلـــدعـــوة الـــتـــي أطـــلـــقـــهـــا وزيــــــر الـــخـــارجـــيـــة البريطاني ديفيد كــامــيــرون، خــال إحياء ذكــــــرى تـــأســـيـــس الـــحـــلـــف، وجــــــاء فــيــهــا أن «بــريــطــانــيــا قـــدمـــت أمــــــواال ألوكـــرانـــيـــا هــذا الــعــام». وهـــذا هـو الـعـنـوان األســاســي الـذي كــــــان عـــلـــى جـــــــدول زيـــــارتـــــه إلــــــى واشـــنـــطـــن الـثـاثـاء املــاضــي. ولــم يخف كـامـيـرون قلق حلفاء «األطلسي» من أن التهاون في دعم أوكـــرانـــيـــا لـــه عـــواقـــب كـــبـــيـــرة، مــوضــحــا أن «أي بـديـل لـذلـك لــن يـــؤدي إال إلـــى تشجيع (الـــــرئـــــيـــــس الــــــروســــــي فــــاديــــمــــيــــر) بـــوتـــن عـــلـــى الــــقــــيــــام بــــمــــحــــاوالت أخــــــــرى إلعــــــادة رســـم الـــحـــدود األوروبــــيــــة بــالــقــوة، وســـوف يـــســـمـــع ذلـــــك بــــوضــــوح فــــي بـــكـــن وطـــهـــران وكوريا الشمالية». في املقابل، اعتبرت موسكو أن حلف شمال األطلسي عاد إلى عقلية الحرب الباردة. ولم تتغير النظرة الروسية التي تعتبر أن الواليات املتحدة تقف وراء الحلف، وتستخدمه كأداة لــلــمــواجــهــة، خـــاصـــة فـــي الــــقــــارة األوروبــــيــــة. وعــلــى هـــذا األســــاس تــم تخطيطه وتشكيله وإنشاؤه وإدارتـه من قبل واشنطن. والنقطة الثانية، أن أنشطة حلف شمال األطلسي ال تــعــزز حـالـيـا األمــــن واالســـتـــقـــرار فــي أوروبــــا، «بـل على العكس مـن ذلــك، هـي عامل مزعزع لـــاســـتـــقـــرار»، حــســبــمــا ذكــــــرت وكــــالــــة أنـــبـــاء إنترفاكس الحكومية الـروسـيـة، فـي معرض التعليق على إحياء الذكرى. والنقطة الثالثة، بحسب موسكو، هي أن «الناتو» متورط في الـــصـــراع األوكــــرانــــي، وهـــو الـسـبـب الرئيسي الذي قاد روسيا إلعان الحرب على جارتها، الــتــي كــانــت تـحـضـر نفسها لـنـيـل العضوية فيه، وبذلك تحمي نفسها من الخطر الروسي الدائم، إذ إن املادة الخامسة من ميثاق الحلف تضمن تدخله إلى جانبها بصورة قانونية.