اإلعدام لمحتالة فيتنام والتكريم لبلطجية مصر

حكمت محكمة فيتنامية األسبوع املاضي على قطب العقارات الفيتنامية ترونغ ماي الن باإلعدام، بتهمة نهب أموال واحتيال على أحد أكبر البنوك في البالد على مدار سنوات. وأدينت ترونغ بالحصول على قـروض بقيمة 44 مليار دوالر من بنك سايغون التجاري بصورة غير سليمة. ويلزمها الحكم بإعادة مبلغ 27 مليار دوالر، وهو مبلغ قال ممثلو االدعـاء إنه قد ال يسترد أبدًا. ويعتقد البعض أن عقوبة اإلعدام هي طريقة املحكمة ملحاولة تشجيعها على إعادة بعض املليارات املنهوبة. كانت السلطات الفيتنامية الشيوعية صريحة على نحو غير معهود بشأن هذه القضية، إذ تطّرقت إلى تفاصيلها الدقيقة، وأكــدت استدعاء 2700 شخص لــإدالء بشهاداتهم، في حني شـــارك فيها عـشـرة مـدعـني عـمـوم ونـحـو مئتي مــحــام. وقالت الـجـهـات الـرسـمـيـة فــي فـيـتـنـام إن وزن األدلــــة املـسـتـخـدمـة في القضية بلغ ستة أطنان، تم توزيعها على 104 صناديق، وإن خمسة وثمانني متهمًا حوكموا مع ترونغ، نفى جميعهم التهم املوجهة إليهم. وتعد املحاكمة الفصل األكثر دراماتيكية حتى اآلن في حملة «األفـــران املشتعلة» ملكافحة الفساد التي قادها األمني العام للحزب الشيوعي نغوين فو ترونغ. ويــعـتــقــد نــغــويــن، املــنــظــر املــحــافــظ شـــديـــد الـتــمــســك بـالـنـظـريـة املـاركـسـيـة، أن الـغـضـب الشعبي إزاء الـفـسـاد الـجـامـح يشكل تهديدًا وجوديًا الحتكار حزبه الشيوعي السلطة. وبدأ نغوين حملته بشكل جـدي في عـام ،2016 وهـي الحملة التي شهدت إجبار رئيسني ونائبني لرئيس الوزراء على االستقالة، وتأديب أو سجن مئات املسؤولني. وتنحدر تـرونـغ مـن عائلة صينية فيتنامية تعيش فـي مدينة هوشي منه، سايغون سابقًا، وبــدأت أعمالها بائعة في كشك في السوق، حيث كانت تبيع مستحضرات التجميل مع والدتها، لكنها اتجهت إلى شـراء األراضــي والعقارات وممارسة بعض األعمال التجارية، بعد أن بدأ الحزب الشيوعي فترة من اإلصالح االقــتــصــادي، املـعـروفـة بـاسـم دوي مــوي عــام .1986 وبحلول التسعينيات، كانت ترونغ تمتلك مجموعة من األصول، أغلبها من الفنادق واملطاعم. وعلى الرغم من أن فيتنام تعرف عامليًا بقطاع التصنيع سريع النمو، باعتبارها سلسلة توريد بديلة للصني، إال أن معظم الفيتناميني األثـريـاء جمعوا أموالهم من تطوير العقارات واملضاربة فيها. وحيث إن جميع األراضـــي كانت مملوكة رسميًا لـلـدولـة، فقد اعتمد أغلب الراغبني في الشراء على العالقات الشخصية مع املـسـؤولـني، وأصـبـح ذلـك أمــرًا مألوفًا. ولكن مـع نمو االقتصاد تصاعد الفساد، وأصبح متوطنًا في البلد اآلسيوي. وبحلول عام ،2011 أصبحت ترونغ شخصية تجارية معروفة في مدينة هوشي منه، وتم السماح لها بترتيب عملية دمج ثالثة بنوك صغيرة الحجم، كانت تعاني من ضائقة مالية، في كيان أكبر أطلق عليه بنك سايغون التجاري. ويحظر القانون الفيتنامي على أي فرد امتالك أكثر من %5 من أسهم أي بنك. لكن املدعني يقولون إنه من خالل مئات الشركات الوهمية واألشخاص الذين يعملون كوكالء لها، امتلكت ترونغ بالفعل أكثر من %90 من بنك سايغون التجاري. واتـــهـــمـــت تـــرونـــغ بــاســتــخــدام نــســب تـمـلـكـهـا املــرتــفــعــة لتعيني موظفيها مديرين في البنك، ومـن ثم حثهم على املوافقة على مئات القروض لشبكة الشركات الوهمية التي تسيطر عليها. وكــانــت املـبـالـغ الـتــي سـحـبـت عــن طريقها ضـخـمـة، إذ شكلت الــقــروض املـقـدمـة لشركاتها نـحـو 93% مــن إجـمـالـي قــروض البنك. ووفـقـًا للمدعي الـعـام، أمــرت تـرونـغ سائقها، على مدى ثـالث سنوات اعتبارًا من فبراير/ شباط ،2019 بسحب 108 تريليونات دونــغ فيتنامي، أي أكثر مـن أربـعـة مـلـيـارات دوالر نقدًا من البنك، وخزنتها في قبو منزلها. ومع افتراض تكوين املبلغ من الفئات الكبرى في فيتنام، يزن هذا القدر من النقود ما يقرب من طنني. واتهمت ترونغ بتقديم رشـوة سخية لضمان عدم تعرض مفتشي البنك لقروضها في أي وقت. وشغل أحد املتهمني في القضية منصب كبير مفتشي البنك املركزي، وهو متهم حاليًا بقبول رشوة بقيمة خمسة ماليني دوالر. وقد أدى الكم الهائل من الدعاية الرسمية حول هذه القضية إلى توجيه الغضب الشعبي بشأن الفساد ضد تـرونـغ، التي كان ظهورها بصورة باهتة ومرهقة في املحكمة يتناقض بشكل صارخ مع الصور الدعائية الرائعة التي شاهدها الناس لها خالل السنوات املاضية. ورغم تأكيد البعض أن ترونغ كانت محمية من قبل شخصيات قوية هيمنت على األعمال والسياسة في مدينة هوشي منه لعقود من الزمن، إال أن الطريقة التي تم بها تقديم القضية للرأي العام، والنحو الذي سارت عليه املحاكمة، أكدا رغبة صادقة من سلطة الحزب الشيوعي في تأكيد مكافحة الفساد والفاسدين في البالد. يحدث ذلك في فيتنام، في الوقت الذي نشهد فيه في مصر تنامي سيطرة البلطجية والخارجني عن القانون ورعاة العنف وتجار املخدرات والسالح، ومنهم من منح عفوًا رئاسيًا إلخراجه من السجن رغم التأكد من إدانته، على مفاصل السلطة واألعمال. وباتت صور وأسماء هؤالء تزين لوحات اإلعالنات في الطرق املصرية، بينما شغلت شركاتهم مساحات زمنية كبيرة على شاشات التليفزيون، في أهم مواعيد املشاهدات في البالد. سيطر هؤالء على بعض شركات الحراسة الضخمة التي توكل إليها مهام تأمني سفارات بالقاهرة، وجامعات مصرية وبنوك وشركات كبرى، وأحـداث رياضية مهمة وانتخابات، وأشرفوا على معرض للصناعات العسكرية استضافته مصر مؤخرًا، وضم كبار رجال الجيش والعسكريني في العالم. أدارت شــركــاتــهــم عـمـلـيـة عـــبـــور الـفـلـسـطـيـنـيـني مـــن غــــزة إلــى األراضي املصرية، وشاركوا في مؤتمرات الشباب التي تحظى برعاية قيادات الدولة، وحصلوا على حقوق رعاية أكبر األندية املصرية في البطوالت العاملية، وتـم تعيينهم في أجهزة تابعة لوزارة الدفاع، وكانوا حاضرين في أغلب االحتفاالت الرسمية فـي الـبـالد. رد اعتبار هـــؤالء، وأســنــدت صفقات ضخمة لبيع أصول حكومية إليهم، ومنحوا مساحات شاسعة من األراضي املصرية، وأسندت إليهم أعمال ضخمة في العاصمة اإلداريــة، فـيـمـا بـــدا أنـــه املـعـنـى الـحـقـيـقـي لـــ«الــجــمــهــوريــة الـــجـــديـــدة» الـتـي يحدثوننا عنها، وال حول وال قوة إال بالله!