Al Araby Al Jadeed

في انتظار الضربة اإليرانية

- مراد بطل الشيشاني (إعالمي أردني في لندن)

يبدو أن إيران فقدت قدراتها الردعية بعد هجومها أخيرًا بمسيرات على إسرائيل. والـــــــ­ـردع هـــــذا يــقــتــض­ــي الـــتـــه­ـــديـــد بـالـفـعـل العنيف بغية تحقيق أهداف سياسية. إذا ما نفذ الفعل العنيف يفقد غايته الردعية، وإذا نفذ ولــم يحقق أهــدافــه فـذلـك مؤشر خطير على ضعف تلك الــقــدرا­ت أسـاسـا. فكيف تسلسلت األحداث؟ مــــــرت أيــــــام عــــــدة، وطــــهـــ­ـران تــــهــــ­دد بـــالـــر­د، على استهداف القيادي في فيلق القدس، مـــحـــمـ­ــد رضــــــا زاهـــــــ­ــدي، وقــــــيـ­ـــــادات أخــــرى الــحــرس الــثــوري اإليـــران­ـــي، فــي القنصلية اإليـرانـي­ـة فـي دمـشـق، وبموقف سوريالي تـشـكـل يـومـا بـعـد يـــوم مـنـذ إعـــالن طـهـران بأنها سترد، أطلقت في 13 إبريل/ نيسان 2024 عــشــرات املــســيـ­ـرات نـحـو إســرائــي­ــل، دافعة دول الجوار إلى إغالق أجوائها أمام الطائرات. أفشلت الضربات اإليرانية التي أخــذت عــدة سـاعـات لتصل إلــى إسرائيل، ورغـــــــ­ـــم غــــــراب­ــــــة املــــــو­قــــــف وتــــنـــ­ـاقــــضــ­ــه مــع أبجديات املباغتة واالنتقام والحرب، فإن معظم الطائرات اإليرانية أفشلت في الجو، بنسبة %99 وفقا لإلعالن اإلسرائيلي، من أصل ثالثمائة مسيرة. ورغـم ذلـك، أعلنت إيران أن الهجمات «حققت أهدافها»! ودفـــعـــ­ت تــلــك الــنــتــ­ائــج إلـــى زيـــــادة الــتــنــ­در والـسـخـري­ـة، مــن الـهـجـمـا­ت، وفـــي اإلشـــارة إلى نسب النجاح في الهجمات، قال أحد املراقبن األصــدقــ­اء، مـازحـا إلــى أن سكان مـــــرج الــــحـــ­ـمــــام، إحـــــــد­ى ضــــواحــ­ــي عــــمــــ­ان، سيذكرون، دوما، أن املسيرة التي سقطت عندهم «تـاريـخـيـ­ة»، وتـنـدر آخــــرون، على وســـائـــ­ل الـــتـــو­اصـــل االجـــتــ­ـمـــاعـــ­ي، بــعــرض مــســيــر­ة عــالــقــ­ة بـــن أســــالك الــكــهــ­ربــاء في الكوت جنوبي العراق. لكن، بعيدًا عن التندر والسخرية املريرة، فــإن الهجمات اإليـرانـي­ـة، ورغــم مـا تدعيه طـــهـــرا­ن لــهــا ســيــاقــ­اتــهــا الـــواجــ­ـب فـهـمـهـا. فــالــرسـ­ـائــل تـــوالـــ­ت مـــن كـــل األطــــــ­راف، رغــم جـــهـــد املــــؤيـ­ـــديــــن إليـــــــ­ران فــــي بــحــثــه­ــم عـن تفسيرات تؤكد التفسير اإليراني الرسمي. أطــراف دولية، بـدءًا من الـواليـات املتحدة، وبـريـطـان­ـيـا وفـرنـسـا، قـالـت إنـهـا شـاركـت في إحباط الهجمات، وكأنها رسالة، بثمن قليل، إلـى إيـــران، عن استعداد تلك الـدول لـلـدفـاع عــن إســرائــي­ــل، ورفـضـهـا تحركات طهران العسكرية، وذلك رغم أن بريطانيا وفـرنـسـا، تـدافـعـان عـن فـكـرة إبـقـاء قنوات الـــحـــو­ارـ أوروبـــيـ­ــا وأمـيـركـي­ـا، مفتوحة مع إيران، على سبيل املثال. رغم أن إسرائيل وجهت ضربات عدة إلى إيـــران، وإلــى حرسها الــثــوري، عــدة مــرات، ســـــواء فـــي دمـــشـــق، أو حــتــى فـــي الـــداخــ­ـل اإليـــران­ـــي، اغــتــيــ­ال الــعــالـ­ـم الـــنـــو­وي فخري زادة عــام ،2021 لـم تستطع إيـــران أن ترد ردًا مؤثرًا، ولعل املثال األكثير تعبيرًا هو اســـتـــه­ـــداف الــــوالي­ــــات املــتــحـ­ـدة األمــيــر­كــيــة لـقـاسـم سـلـيـمـان­ـي وأبــــو مــهــدي املـهـنـدس بــالــقــ­رب مـــن مــطــار بـــغـــدا­د، وحـيـنـهـا جــاء الرد اإليراني، رغم فداحة الخسارة وعظم االستهداف، مرتبكا، ال بل استهدف طائرة ركاب مدنية أوكرانية آنذاك. منذ ذلك الحن، كان لدى اإليرانين إدراك استراتيجي أساسيا، يقوم على االعتماد عـــلـــى حــلــفــا­ئــهــا ووكــــالئ­ــــهــــا، فــــي مــنــاطــ­ق مختلفة. وهؤالء يتنوعون بحسب األدوار وطبيعة العالقة، تمويال أم إدارة أم تحالفا ومن ثم، ال يمكن وضع حزب الله وحركة حماس في خانة واحدة، وال حتى الجهاد اإلســــال­مــــي مـــع «حــــمــــ­اس»، وال الــفــصــ­ائــل العراقية مع الحوثي، فلكل عالقة خاصة، وإن كانت تشترك بــ «الـقـرب مـن طـهـران»، ولها أنماطها املختلفة، لكنها باملجمل، ورقة أساسية تعتمد عليها إيران لتفادي حــــــرب إقـــلـــي­ـــمـــيــ­ـة واســـــعـ­ــــة، وعــــبـــ­ـر دعــمــهــ­ا تبقي خطابها اإليـديـول­ـوجـي فـي الداخل حــيــا وحــيــويـ­ـا، فــي ظــل أزمــــات اقـتـصـادي­ـة واجتماعية متفاقمة. واآلن، بــعــد الــفــشــ­ل فـــي هــــذه الــهــجــ­مــات، سيتزايد االعـتـمـا­د على تلك املجموعات املسلحة، من إيــران، ويترافق مع تصعيد مــــــع دول حـــلـــيـ­ــفـــة لـــــلـــ­ــواليــــ­ـات املــــتــ­ــحــــدة،

واألردن فـي مقدمة املـرشـحـن، فقد أشـار وزيـــــر الـــخـــا­رجـــيـــة اإليـــــر­انـــــي، عــبــد األمــيــر عــبــد الــلــهــ­يــان، إلــــى أن دولـــتـــ­ه حــــــذرت أي دول تعترض «هجماتها الـتـي تعبر عن حـــق الـــدفـــ­اع عـــن الـــنـــف­ـــس»، بــــأن «الــقــواع­ــد األميركية فيها ستستهدف». على ما سبق، فإن رد إيران، أو هجماتها، فـــي ســـيـــاق­ـــات الــــتـــ­ـوازنــــا­ت الـــدولــ­ـيـــة، الـتـي تــنــطــل­ــق مــــن أســــــاس املــصــلـ­ـحــة الــوطــنـ­ـيــة ابــتــداء، وليس لـــدواع إيديولوجية، وهنا الــحــديـ­ـث عـــن حـــرب غــــزة، ونـــصـــر­ة أهـلـهـا، كما توقع كثيرون عند بداية األزمــة بعد 7 أكـتـوبـر ، وإن كـــان أهـــل غـــزة فــي حاجة إلـــى الــنــصــ­رة، تـحـت أي مـسـمـى. ومـــن ثـم، سيحتاج السلوك اإليراني أخيرًا، على عدم فعاليته، إلى جهد دعائي في الداخل لديه، ولــدى املتشككن في سياستها، لكن هذا أيـضـا يضعف دعــايــة إسـرائـيـل­ـيـة مــكــررة، وتـــحـــد­يـــدًا مـــن رئـــيـــس الـــــــو­زراء نـتـنـيـاه­ـو، الـــــــذ­ي ظــــل يــــكــــ­رر وعــــلـــ­ـى مـــنـــصـ­ــات األمــــم املتحدة، وفي لقاء اته اإلعالمية، ومنذ عقد تـقـريـبـا، عــن الـتـهـديـ­د اإليـــران­ـــي الـــذي كـان يعتبره األكــبــر إلسـرائـيـ­ل وأمـنـهـا، وهـــذا، ومن ثم، قد يعيد هذا بعضا من الثقة التي فقدها إسرائيليون كثيرون في أمنهم بعد 7 أكتوبر. ولعله يساعد في التوصل إلى حل ما في غزة املنكوبة، وهذا ال يعني أن الحروب أو الصراعات بالوكالة ستتراجع في املنطقة، ال بل ستتزايد ال محالة.

رد إيران، أو هجماتها، هي في سياقات التوازنات الدولية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar