Al Araby Al Jadeed

فضيلة الصمت بين إسرائيل وإيران

- أرنست خوري

كل ما يحيط باملواجهة اإليرانية ــ اإلسرائيلي­ة منذ كانت غير مباشرة، والرد األول على قصف القنصلية اإليرانية في دمشق، ثم الرد اإلسرائيلي املتوقع على الرد، وربما الحقًا السلسلة التي ال تنتهي من الردود املتبادلة، صار يطبق على القلب ويتسبب باختناق قــارئ األخـبـار الــذي ال يــزال يحمل رأســًا فـوق كتفيه، يراقب مواجهة بني نموذجني يتسابقان على صفة الوكيل الحصري لله على األرض ويتنافسان على لقب الــدولــة الدينية األولـــى فـي الـعـالـم، ويتشابهان فـي حصر الـديـمـقـ­راطـيـة واملـــســ­ـاواة بفئة مــن «شـعـب الـلـه املـخـتـار» فــي الـحـالـة اإلسـرائـي­ـلـيـة، وبفئة ناجية من مطيعي الولي الفقيه في الحالة اإليرانية. نموذجان إقليميان ال يمكنهما أن يحمال في تعريف نظاميهما السياسيني وبنيتيهما وسبب وجودهما وفلسفة حكمهما خيرًا وسالمًا وازدهارًا لبلدان هذه البقعة الجغرافية وسكانها، مثل إسرائيل منذ تأسيسها، وإيــران كما نعرفها منذ ثورتها عام .1979 دولة فـصـل عـنـصـري شـيـد حكامها الــدمــوي­ــون طـوابـقـهـ­ا املـرتـفـع­ـة، وال يـــزالـــ­ون، على أنقاض بلد له أهل، يصطف أقوياء العالم دعمًا لها أللف سبب تاريخي وسياسي واقتصادي وأيديولوجي ومصلحي، في مقابل بلد وريث حضارة عريقة كإيران، يحكمه رجـال أضافوا إلى صفاتهم الدينية مواهب القمع والتخريب في الخارج بشعار تصدير الثورة والقيم الخمينية، وكـره الحياة والثقافة والفنون واإلبــداع، يعتنقون أكثر األفكار ظالمية وتخلفًا واحتقارًا آلخرين يرونهم أدنى منهم دينيًا وحضاريًا، وفي ذلك يلتقي كثيرون منهم مع معظم حكام إسرائيل منذ نشأتها. أمام مشهد محبط إلى هذه الدرجة، كيف ال يصاب القارئ ومتابع األخبار، ولو من على بعد آالف األمـيـال، بامللل وضيق النفس عندما يحاول تصور مآالت تلك املواجهة؟ مواجهة ال تفجر حربًا شاملة، إنما توسع حروب الواسطة أفقيًا لتضيف بلدانًا إلــى الئـحـة ضحايا االشـتـبـا­ك األصــلــي، فتجد مـا يسند خوف الخائفني من تــورط وتـوريـط لــأردن مثال. وعلى سيرة األردن، فـإن تلك الدولة ليست استثناء في الحالة العربية الرسمية املستسلمة واملستقيلة من كل شأن عــام خـارجـي وإن كــان مرتبطًا عضويًا بأمورها الداخلية. شــارك األردن، ليل السبت ــ األحد املاضي، في إسقاط طائرات وصواريخ إيرانية عبرت أجواءه في طريقها إلــى إسـرائـيـل، بـداعـي حماية سيادته وأمـنـه، وليكن لـه ذلــك طبعًا. لكن جدير تذكر أن عمان سبق أن وصفت ما يحصل في الضفة الغربية من تهجير يجاهر وزراء في تل أبيب بتنفيذه، بأنه تهديد مباشر لأردن ولوجوده وألمنه، ولم تتخذ اململكة أي إجراء حيال هذا التهديد الوجودي كما تقول. أمام االنتهاك اإلسرائيلي اليومي للوصاية الهاشمية على األماكن الدينية في القدس، وهذا دور يكاد يكون سياديًا، لم يلوح األردن بقطع عالقاته بإسرائيل، ال اقتصاديًا وال سياسيًا وال دبلوماسيًا، إلـى حني توقف الجرائم اإلسرائيلي­ة التي تمس أمن اململكة، ال بل إن األردن من البلدان التي يعتقل فيها منظمو تظاهرات التضامن مع الفلسطينين­ي في غــزة مثال. لم يبادر األردن إلـى ممارسة أي ضغط جدي مستفيدًا من صفته حليفًا مهمًا ألميركا في سبيل وقف اإلبادة في غزة، بل إن األردن من بني بلدان ما يسمى املمر البري للبضائع إلى إسرائيل، تعويضًا عن الطريق البحرية التي صارت مكلفة وخطرة بسبب هجمات الحوثيني في البحر األحـمـر. فـي كـل تفصيل، يرفض األردن أن يكون استثناء فـي هــذه االستقالة العربية التي تترك فراغًا تمأه تركيا وإيـران وإسرائيل في املنطقة التي يشكل العرب غالبية سكانها وعدد بلدانها. ضيق النفس واالختناق وامللل سرعان ما تتحول إلى ألم في رأس املعدة، فشلل يتسبب به اكتئاب عميق في حال ارتكب القارئ خطيئة من صنف زيارة كوكب أمراض السوشال ميديا. هناك، على مختلف املنصات، عندما تشاهد آالف العرب يعلقون على الضرب اإلسرائيلي ــ اإليراني، ابتهاجًا أو سخرية، تحليال ال يليق بعقل من بلغ عمُره السنوات الست وانحيازًا إليران أو إلسرائيل، تقول في سّرك إن صمت األفـراد ال الدول فضيلة حني تتحارب إسرائيل وإيـران، في انتظار أن تنشق األرض وتبتلعنا نحن وهؤالء املتحمسني جديًا إلسرائيل أو إليران.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar