Al Araby Al Jadeed

عن المواجهة اإلسرائيلي­ة اإليرانية األولى

- مروان قبالن

بعيدًا عن احتفاالت النصر وادعاءات هزيمة الخصم الصادرة عن إيران وإسرائيل وحلفائهما بشأن نتائج هجمات األولى يوم 14 إبريل/ نيسان الجاري، ردًا على استهداف الثانية مبنى مجاورًا للسفارة اإليرانية في دمشق يوم 1 إبريل وقتل ضباط كبار في الحرس الثوري اإليراني، أسفرت املواجهة املباشرة األولى بني إسرائيل وإيــران عن تغيرات ثالثة رئيسة، سوف تشكل على األرجــح املشهد السياسي ملنطقة الشرق األوسط لسنوات عديدة. أولــهــا، أن حـــرب الــظــل املـسـتـمـ­رة بــني إيــــران وإســرائــ­يــل مـنـذ عـقـود خـرجـت إلـى العلن، وأن الصدام بني املشروعني اإليـرانـي واإلسرائيل­ي صـار حتميًا. ويعود السبب إلى نجاح اإليرانيني واإلسرائيل­يني في إخـراج العرب من معادلة القوى في املنطقة من خالل التشجيع (إسرائيل) أو املساعدة (إيران) في غزو أميركا للعراق، واستكمال ذلك بتدمير أسس الدولة الوطنية العربية في املشرق والذي تولته إيران وإسرائيل معًا خالل ثورات الربيع العربي (في سورية خصوصًا). والواقع أن عالقة «تخادم» إسرائيلية إيرانية مشتركة نشأت منذ الحرب العراقية اإليرانية هدفها إضعاف العدو املشترك (العرب) عبر هزيمة العراق وصوال إلى غزوه وتدميره .)2003( ثانيًا، طـرأ تغيير رئـيـس على عقيدة إيـــران العسكرية، ويـبـدو أن هجوم األول من إبريل في دمشق نجح في إحـراج إيــران، وإخراجها من الظل، ودفعها إلى التصدي مباشرة ملهمة الـرد على إسرائيل. منذ انتهاء الحرب مع العراق التي كبدتها خسائر فادحة، وبسبب ضعفها الناتج عن الحصار والعزلة، تبنت إيران عقيدة أمنية تقوم على ركنني: األول، تجنب املواجهة املباشرة مع خصومها، واالستعاضة عن ذلك بحروب وكالة أقل كلفة تخوض فيها إيران حروبها على أرض اآلخـريـن وبدمائهم (تسمي إيـــران هــذا الـدفـاع املـتـقـدم). والـثـانـي، إنشاء ردع غير متناظر مع خصومها بحيث تكبحهم عن مهاجمتها عبر الوكالء، وتستطيع، في الوقت نفسه، إلحاق الضرر بهم إذا اقتضت الحاجة من دون أن يكونوا قادرين على معاقبتها، باعتبار أن ايران لم تقم بالفعل الحربي املباشر ضدهم. سقطت هذه االستراتيج­ية في األول من إبريل، وصـار على إيــران أن تخرج بنفسها لخوض حروبها. ثالثًا، كشفت املواجهة اإليرانية - اإلسرائيلي­ة املباشرة األولى عن مالمح تحالف أمني قيد التشكل يضم دوال عربية وغربية إلى جانب إسرائيل. وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن تفاصيل التصدي للهجمة الجوية اإليرانية على إسرائيل يوم 14 الجاري شارك فيها، إلى جانب الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا وأملانيا، األردن ودول عربية خليجية. وكان الرئيس األميركي األسبق، بـــاراك أوبــامــا، أول مـن اقـتـرح ربــط النظم الدفاعية الجوية للحلفاء فـي املنطقة للتصدي للبرنامج الصاروخي اإليراني، ملعالجة مخاوفهم من االتفاق النووي مع إيـران. وصار هذا التوجه ممكنًا مع انتقال إسرائيل عام 2021 من منطقة القيادة األميركية في أوروبا إلى منطقة القيادة املركزية في الشرق األوسط، بعد توقيع اتفاقات أبراهام عام .2020 بهذا املعنى، باتت املنطقة اليوم أمام تحالفني يرتصف العرب بينهما: اإليراني واإلسرائيل­ي (من غير الواضح أين يقف األتراك هنا). هذه هي التحوالت الرئيسة التي نتجت عن املواجهة اإليرانية اإلسرائيلي­ة املباشرة األولـى، ما تبقى مجرد تفاصيل، لكنها تتطلب أن يفكر أبناء املنطقة التاريخيون (العرب واإليرانيو­ن واألتراك) في كيف وصلنا إلى هنا، وملاذا؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar