Al Araby Al Jadeed

ُصَورُ أرشيف تكشف ازدواجية عيش

«كوكبي المسروق» لإليرانية فرحناز شريفي

- سالونيك ـ ندى األزهري

األفـــــا­لم اإليـــران­ـــيـــة الــتــي تــســرد مــعــانــ­اة املـــرأة لــم تــعــد تـــعـــد. أفـــالم وثـائـقـيـ­ة، تحققها نـسـاء تحديدًا. نوع من املقاومة الشخصية، والسيرة الذاتية. رغبة في إسماع الصوت املنطلق من حالة خاصة، للتعبير عن الجمعي. الصوت، هــــنــــ­ا، بـــمـــعـ­ــنـــاه الــــحـــ­ـرفــــي. فـــمـــخـ­ــرجـــة الــفــيــ­لــم تسرد بنفسها حاضرًا، وعبره تاريخ. تعلق عـلـى أحـــــداث عــامــة تــركــت أثــرهــا فــي حياتها الـشـخـصـي­ـة. صـــوت يحمل شـجـنـا، يـعـبـر عن حالة نفسية مؤرقة، ووضع صعب االحتمال. مــــا فــعــلــت­ــه اإليــــرا­نــــيــــ­ة فـــرحـــن­ـــاز شـــريـــف­ـــي، فـي «كوكبي املـسـروق» ،)2024( مشابه ملا فعلته صديقتها فــيــروزة خــســروان­ــي فــي «الـعـائـلـ­ة، صورة شعاعية» (وثائقي، ،)2021 في الحديث عن الثورة. تلك، حني تتسلل من الخارج إلى الــــداخـ­ـــل، إلــــى الــبــيــ­ت، لـيـمـتـلـ­ئ بــهــا فـــي فيلم خسرواني، وليقاومها في فيلم شريفي. االنقالب، ويعني الثورة في اللغة الفارسية، يقلب حياة أسر، تنتمي إلى الطبقة الوسطى خـــاصـــة، ويــجــلــ­ب مــفــاهــ­يــم جـــديـــد­ة. فـــي بيت خـــســـرو­انـــي، حـــاضـــر بـــقـــوة فـــي الــــداخـ­ـــل، في شــخــصــي­ــة األم املـــؤمــ­ـنـــة بــــالـــ­ـثــــورة. فــــي فـيـلـم شــريــفــ­ي، يـبـقـى خـــارجـــ­ا بـــصـــور­ة مــــا، ليقسم الـــحـــي­ـــاة إلــــــى اثـــنـــت­ـــني: خـــــــار­ج الـــبـــي­ـــت وفـــيـــه. تعتمد شريفي هذه الثنائية، التي تثقل على روحها. صور األرشيف تدعم خطتها، بكشف ازدواجــــ­ـيـــــة عـــيـــش تـــبـــدأ بــــاكـــ­ـرة. أولــــهــ­ــا، عند دخولها املــدرســ­ة.ٍ صــورة رسمية بالحجاب، لتوضع على هويتها املدرسية. في مقابلها، صورتها في البيت من دون الحجاب. مـــــن هــــنــــ­ا، يــــبــــ­دأ كــــــل شـــــــيء. كـــيـــف نــــبــــ­دو فـي الـــخـــا­رج أمـــــام اآلخــــري­ــــن، وكـــيـــف نــحــن بـعـيـدًا عنهم. شخصيتان من الطفولة، في «الداخل» و«الــخــارج». الفتاة الصغيرة، بعد أن كبرت، تتذكر أن أول مـا تعلمته فـي املــدرســ­ة تمني املـوت لآلخرين. تؤكد نظريتها بمرور لوحة جـــداريــ­ـة مــشــهــو­رة فـــي أحــــد شـــــوارع طــهــران، رســــــم فــيــهــا الـــعـــل­ـــم األمـــيــ­ـركـــي بــحــجــم كــبــيــر، وقـــنـــا­بـــل وصـــــوار­يـــــخ تـــعـــبـ­ــره، وخـــــــط عـلـيـهـا «املــوت ألميركا». صــورة يراها يوميا عابرو الــعــاصـ­ـمــة. تستعيد شـريــفـي تـــاريـــ­خ بـلـدهـا، منذ قيام ثـورة وانهيار حكم، من خالل املرأة (كـمـا فعلت خــســروان­ــي). حصل االنــقــا­لب في يوم قريب من عيد املرأة. في رأيها، لم يكن ما حصل عيدًا للمرأة. تركز على قضية الحجاب بوصفها سببا رئيسيا لهذه االزدواجـي­ـة في الــعــيــ­ش. إنــــه لـيـس مـــجـــرد قـطـعـة قـــمـــاش. إنـــه رمز. أما هي، فال ترتاح حني ال تكون شبيهة نـفـسـهـا، وحـــني تــفــرض صــــورة مــغــايــ­رة أمـــام اآلخرين. وإذ تتجول اليوم في مركز املدينة، تــمــر بعدستها لــوحــات جـــداريــ­ـة لــرجــال ديـن ومقاتلني، ونساء يرتدين التشادور األسود، وأشـــخـــ­اص يـحـتـفـلـ­ون بــقــاســ­م سـلـيـمـان­ـي. ال تـجـد فـــي هـــذا املـــكـــ­ان مـــا يـشـبـهـهـ­ا. هـــذا ليس عاملها وال تاريخها. لهؤالء عاملهم، في حني أن عاملها سرق منها. تبحث عن تاريخ يمثلها، ال عالقة له بآخرين من مواطنيها، تاريخهم حجاب وشهادة وثورة. يصبح هذا هوسها وسيلة ال غنى عنها، لها بـالـذات، للهرب من إحساس بـالـالأمـ­ان. تقرر التقاط لحظات السعادة اليومية من املاضي الذي بات جريمة، كما تقول. أن تجمع أجزاء

من أشرطة 8 ملم، فيديو لعائالت إيرانية ال أحــد مـن أفــرادهــ­ا فـي إيـــران الــيــوم، إذ غـــادروا عـلـى عـجـل بـعـد انــهــيــ­ار حـكـم الـــشـــا­ه، تـاركـني كـل شـيء وراءهـــم. عالقتها مـع ليلى املغنية، التي غــادرت إيــران في تلك الفترة املضطربة وهي مراهقة، كانت نتيجة عثورها على أفالم قديمة لها. تتواصل معها. يتبدى لدى ليلى هذا االرتباط بالبلد الذي ال يغادر املرء حتى لـو غـــادره. شريفي ال تـريـد تــرك بلدها، ربما تتركه فـتـرة قصيرة فقط إلــى أملـانـيـا، إلقـامـة فنية (الفيلم إنتاج مشترك مع أملانيا). تـبـني هـــذه الــعــالق­ــات الحميمة الـتـي تربطها بــأســرتـ­ـهــا، كــــأن الـــفـــر­وض الــخــارج­ــيــة حتمت تـــضـــام­ـــنـــا خــــفــــ­يــــا، ال شـــــعـــ­ــوريـــــ­ا، مـــــع أقـــــــا­رب وأصــدقــا­ء. تـبـدي فرحتهم مـعـا، وحــني تسرد الفرح، تفعل بالوتيرة نفسها املثقلة ًٍ بشجن، وتستعني بـأفـالم فيديو قديمة تبدي بهجة حل مكانها اليوم انطفاء روح. أناس يرقصون فــي كـــل وقـــت وكـــل مـنـاسـبـة. يغتني الشريط ببعض أحـداث مهمة، تخفف من أثر التكرار. أجـمـلـهـا وأنـــدرهـ­ــا: فــرحــة الــفــتــ­يــات، والـنـسـاء عامة، بالذهاب إلـى امللعب. وافقت السلطات عـلـى مـنـحـهـن حـــق حــضــور الــفــريـ­ـق اإليــرانـ­ـي وتـشـجـيـع­ـه. بــنــظــر­ة شـخـصـيـة، تــبــني الـحـدث بعدستها التي لم تكن تفارقها. تعرض فيديو يبني تحضيراتها مع صديقاتها: أعالم وألوان على الـوجـه، ثـم ينطلقن بكل املكبوت فيهن، بالتشجيع فــي الـجـهـة املـخـصـصـ­ة بالنساء، املــقــاب­ــلــة لـجـهـة الـــرجـــ­ال، واملــلــع­ــب فــاصــل بني الجهتني. لكن أصواتهن املنطلقة للمرة األولى خارجا، أعيد كتمها في منع جديد. ما فرضته السلطات ال يؤثر عليها وعلى محيطها فقط، بــل هــذا «الــكــذب» الـــذي تــصــر عليه، وتـحـاول فرحناز شريفي أن تبينه في مشاهد كثيرة. إنـــهـــم يــكــذبــ­ون طـــــوال الـــوقـــ­ت، تـــقـــول. تـعـطـي مثال مـؤثـرًا: حادثة الطائرة األوكـرانـ­يـة التي أسقطتها الــقــوات اإليــرانـ­ـيــة، ظـنـا منها أنـهـا طـائـرة عـــدوة. تعتمد شريفي، فـي 82 دقيقة، عـــلـــى اشـــتـــغ­ـــال بـــصـــري قـــائـــم عـــلـــى الـــصـــو­رة وتـــســـج­ـــيـــالت الـــفـــي­ـــديـــو الـــقـــد­يـــمـــة، املــــهــ­ــزوزة أحيانا. توليف ينتقل من ماض وشخصيات فرحة، إلى حاضر بال فرح، كما تراه. في سرد متتال زمنيا، تصل إلى ما يحصل اليوم في إيران. بفضل الهاتف الجوال، كل شيء يعرف. تبني أن املرأة الضحية األولى، والهاتف اليوم ينقل قتل نـدا في أحــداث ما بعد االنتخابات الرئاسية عــام .2009 ثـم تصل إلــى تظاهرات «امـــــرأة، حــيــاة، حــريــة». تستنتج أن الغضب يذهب بالناس إلــى درجــة ال يعرفون بعدها الـــتـــع­ـــامـــل مـــعـــه. يــــحــــ­اولــــون مـــــــــ­داواة الـــجـــر­اح بــــالـــ­ـرقــــص، فــــيــــ­أس الــــنـــ­ـفــــوس شــــعــــ­ور ســـيـــئ. غضبها أكبر من قوتهم، والحياة تواجه املوت دائما. هؤالء الذين سرقوا حياتها وتاريخها

ّْ ودنياها. تسجل وتسجل، وربما يعثر أحد على ما سجلت، ويستفيد منه هو اآلخر، كما فعلت مع أشرطة تاريخها. شريفي، التي لها أفـالم قصيرة قبل إنجازها هذا الوثائقي الطويل، لم تحضر الـدورة الـ62 7( ـ 17 مارس/آذار )2024 لـ «مهرجان سالونيك الـــدولــ­ـي للفيلم الــوثــائ­ــقــي»، رغـــم أن «كوكبي املــــســ­ــروق» مــــشــــ­ارك فـــي املــســاب­ــقــة الـرئـيـسـ­يـة للفيلم الــوثــائ­ــقــي الــطــويـ­ـل، إذ ال جــــواز سفر لديها. الفيلم فاز بـ«جائزة اإلسكندر الذهبي ـ الجائزة الكبرى».

 ?? (الملف الصحافي) ?? «كوكبي المسروق»: اشتغال بصري على صور وتسجيالت فيديو قديمة
(الملف الصحافي) «كوكبي المسروق»: اشتغال بصري على صور وتسجيالت فيديو قديمة

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar