األمم المتحدة في ليبيا
جـــــــاءت اإلحـــــاطـــــة الــــــدوريــــــة لـــبـــعـــثـــة األمـــــم املـــتـــحـــدة فــــي لــيــبــيــا 16 إبـــــريـــــل/ نــيــســان الــــجــــاري عــلــى غــيــر الــــعــــادة فـــي املــضــمــون والسياقات التي تلتها، حيث كانت تحمل من الشدة في التعابير ما تحمل، وتوجيه اإلشـــــكـــــاالت، وتــحــمــيــل املـــســـؤولـــيـــات لـكـل األطــراف السياسية الليبية، بل وصـل بها التعبير صــراحــة بـــأن األطــيــاف السياسي خـرجـت مـن املسؤولية إلــى «تـوقـعـات غير مـــعـــقـــولـــة»، بــــل وحـــتـــى «الــــالمــــبــــاالة تــجــاه مصالح الشعب الليبي»، األمر الذي «يعوق جهود حل الوضع الـراهـن، ويهدد باملزيد من عدم االستقرار وانعدام األمن في ليبيا واملنطقة»، لتكون املحصلة املسببة لذلك «أنانية القادة الحاليني»، ناهيك عن التدخل الــدولــي الـــذي مـعـه «تـشـتـد هــواجــس عامة الشعب إزاء تضاؤل التوافق الدولي تجاه ليبيا، جـراء تحول بلدهم إلى ساحة لعب يحتدم على أرضها التنافس بني األطراف اإلقـــلـــيـــمـــيـــة والــــدولــــيــــة املــــدفــــوع بــمــصــالــح جــيــوســيــاســيــة وســـيـــاســـيـــة واقـــتـــصـــاديـــة، باإلضافة إلى التنافس الذي تجاوز حدود لـيـبـيـا وطـــــاول الـــجـــوار. ونـتـيـجـة الـتـكـالـب املــتــجــدد فـيـمـا بــني الــالعــبــني، ســــواء داخــل الــبــالد أو خــارجــهــا عـلـى ليبيا وموقعها ومواردها الزاخرة «زادت صعوبة الوصول إلى حل»، كما كان الوصف للبعثة األممية فـــي مـجـلـس األمـــــن. وعــنــد الــنــظــر إلـــى هــذه اإلحاطة، نجد أنها تحمل في طياتها أبعادًا حقيقية على الواقع السياسي الليبي تارة، وأبعادًا أخـرى بعيدة عن الواقع، كما أنها تــخــفــي فــشــل الــبــعــثــة فـــي وســاطــتــهــا تـــارة أخرى، حيث إن الفشل في تجديد السلطات الــتــشــريــعــيــة فــــي الـــــبـــــالد، وإن كـــــان شــأنــا داخـــلـــيـــا مــحــضــا، ويـــجـــب أن يـــكـــون كــذلــك، إال أن األبـعـاد الدولية واإلقليمية كـان لها دور في إفشاله بطريقة أو أخـرى، لعل أقل مسؤوليات اإلفشال عدم تسمية املعرقلني لتجديدها عند كل محاولة أو إجراء يقرب من ذلك، كما أن البعثة خاضت لشهور عدة متتالية في مبادرة غير واقعية، وما زالت تخوض فيها، وإن كان أسدل الستار عليها بطريقة غير مباشرة في هذه اإلحاطة، بل وحـتـى مـا كــان قبلها. عموما، تحمل هذه اإلحــاطــة، فـي طياتها، بعض اإليجابيات، لــعــل أقـلـهـا تسمية األشـــيـــاء بمسمياتها، «املـــعـــرقـــلـــة، األنــــانــــيــــة، املـــصـــلـــحـــيـــة»، وذلــــك كـلـه مـــقـــرون بـالـرغـبـة الـعـنـيـدة فــي تأجيل تــجــديــد األجــــســــام الــحــالــيــة املــتــحــكــمــة في املشهد منذ سـنـوات. وفــي املـقـابـل، لـم تكن فـــرضـــيـــات الــــحــــل وآلـــــيـــــات هـــــذا االنــــســــداد السياسي حاضرة في إحاطة البعثة، وال مــعــطــيــات تــعــامــلــهــا مـــع املــشــهــد الــداخــلــي الليبي منذ سنوات، إذ إنها تـدور في فلك ضيق، تتجاذبه مصالح الـــدول األجنبية، بـل وحتى اإلقليمية، املتداخلة فـي الشأن الـــلـــيـــبـــي، األمـــــــر الـــــــذي يــــقــــود إلــــــى نـتـيـجـة ومحصلة واحــدة، أن على الشعب الليبي، والـنـخـب الفاعلة فـيـه، والــقــاعــدة الشعبية الــتــي بـيـدهـا الـتـغـيـيـر الـحـقـيـقـي، أن تـقـود التغيير بــالــدرجــة األولــــى، كـمـا أن أي حل للخالف السياسي، ال بد أن يكون منبثقا من الداخل، وأن يتبناه تيار وطني ينتشل البالد من هذا الوضع داخليا، وأن يحجم الفعل الخارجي املتداخل فيه قدر اإلمكان، وأن يجعل هذا التغيير واقعا يتعايش معه الـتـيـار السياسي الـداخـلـي أوال، لينعكس أثـــــره عــلــى الــبــعــد الــــدولــــي واإلقـــلـــيـــمـــي في التعامل مع األزمة الليبية ثانيا. كما أن تغيير مبعوثني أممني في ليبيا أو استقالتهم ال يعني كثيرًا بالنسبة للعمل الـسـيـاسـي الــداخــلــي، بـقـدر مــا يعني لــدول مهتمة بامللف الليبي، تـرعـى مصالحها، وتعمل على تحقيق أهدافها، بغض النظر عن االستقرار السياسي الداخلي من عدمه. والشواهد على ذلك كثيرة وحية في األزمة الليبية التي وصل عدد املبعوثني األمميني فــيــهــا مـــنـــذ 2011 إلـــــى أكـــثـــر مــــن ثــمــانــيــة، ومــا زالـــت لــم تستطع أن تـجـدد أجسامها التشريعية، بعد نجاح تجربتها األولى في املؤتمر الوطني العام في .2012 عـــــودًا عــلــى بــــــدء.. الــــحــــوار الـــوطـــنـــي أنـجـح الطرق في حل األزمـة السياسية في البالد على املــديــني، الـقـريـب والـبـعـيـد، وأن يكون وطنيا خالصا في التكوين واملنشأ واإلطار العام، على أن تكون البعثة األممية داعمة أي اتـــفـــاق يــصــل إلــيــه الــلــيــبــيــون، ال حـكـمـا ومتداخال، وهـذا الـذي تفتقده البعثة منذ سنوات.