Al Araby Al Jadeed

األمم المتحدة في ليبيا

- الفيتوري شعيب (كاتب ليبي)

جـــــــاء­ت اإلحـــــا­طـــــة الــــــدو­ريــــــة لـــبـــعـ­ــثـــة األمـــــم املـــتـــ­حـــدة فــــي لــيــبــي­ــا 16 إبـــــريـ­ــــل/ نــيــســا­ن الــــجـــ­ـاري عــلــى غــيــر الــــعـــ­ـادة فـــي املــضــمـ­ـون والسياقات التي تلتها، حيث كانت تحمل من الشدة في التعابير ما تحمل، وتوجيه اإلشـــــك­ـــــاالت، وتــحــمــ­يــل املـــســـ­ؤولـــيـــ­ات لـكـل األطــراف السياسية الليبية، بل وصـل بها التعبير صــراحــة بـــأن األطــيــا­ف السياسي خـرجـت مـن املسؤولية إلــى «تـوقـعـات غير مـــعـــقـ­ــولـــة»، بــــل وحـــتـــى «الــــالمـ­ـــبــــاا­لة تــجــاه مصالح الشعب الليبي»، األمر الذي «يعوق جهود حل الوضع الـراهـن، ويهدد باملزيد من عدم االستقرار وانعدام األمن في ليبيا واملنطقة»، لتكون املحصلة املسببة لذلك «أنانية القادة الحاليني»، ناهيك عن التدخل الــدولــي الـــذي مـعـه «تـشـتـد هــواجــس عامة الشعب إزاء تضاؤل التوافق الدولي تجاه ليبيا، جـراء تحول بلدهم إلى ساحة لعب يحتدم على أرضها التنافس بني األطراف اإلقـــلــ­ـيـــمـــي­ـــة والــــدول­ــــيــــة املــــدفـ­ـــوع بــمــصــا­لــح جــيــوســ­يــاســيــ­ة وســـيـــا­ســـيـــة واقـــتـــ­صـــاديـــ­ة، باإلضافة إلى التنافس الذي تجاوز حدود لـيـبـيـا وطـــــاول الـــجـــو­ار. ونـتـيـجـة الـتـكـالـ­ب املــتــجـ­ـدد فـيـمـا بــني الــالعــب­ــني، ســــواء داخــل الــبــالد أو خــارجــهـ­ـا عـلـى ليبيا وموقعها ومواردها الزاخرة «زادت صعوبة الوصول إلى حل»، كما كان الوصف للبعثة األممية فـــي مـجـلـس األمـــــن. وعــنــد الــنــظــ­ر إلـــى هــذه اإلحاطة، نجد أنها تحمل في طياتها أبعادًا حقيقية على الواقع السياسي الليبي تارة، وأبعادًا أخـرى بعيدة عن الواقع، كما أنها تــخــفــي فــشــل الــبــعــ­ثــة فـــي وســاطــتـ­ـهــا تـــارة أخرى، حيث إن الفشل في تجديد السلطات الــتــشــ­ريــعــيــ­ة فــــي الـــــبــ­ـــالد، وإن كـــــان شــأنــا داخـــلـــ­يـــا مــحــضــا، ويـــجـــب أن يـــكـــون كــذلــك، إال أن األبـعـاد الدولية واإلقليمية كـان لها دور في إفشاله بطريقة أو أخـرى، لعل أقل مسؤوليات اإلفشال عدم تسمية املعرقلني لتجديدها عند كل محاولة أو إجراء يقرب من ذلك، كما أن البعثة خاضت لشهور عدة متتالية في مبادرة غير واقعية، وما زالت تخوض فيها، وإن كان أسدل الستار عليها بطريقة غير مباشرة في هذه اإلحاطة، بل وحـتـى مـا كــان قبلها. عموما، تحمل هذه اإلحــاطــ­ة، فـي طياتها، بعض اإليجابيات، لــعــل أقـلـهـا تسمية األشـــيــ­ـاء بمسمياتها، «املـــعـــ­رقـــلـــة، األنــــان­ــــيــــة، املـــصـــ­لـــحـــيـ­ــة»، وذلــــك كـلـه مـــقـــرو­ن بـالـرغـبـ­ة الـعـنـيـد­ة فــي تأجيل تــجــديــ­د األجــــسـ­ـــام الــحــالـ­ـيــة املــتــحـ­ـكــمــة في املشهد منذ سـنـوات. وفــي املـقـابـل، لـم تكن فـــرضـــي­ـــات الــــحـــ­ـل وآلـــــيـ­ــــات هـــــذا االنــــسـ­ـــداد السياسي حاضرة في إحاطة البعثة، وال مــعــطــي­ــات تــعــامــ­لــهــا مـــع املــشــهـ­ـد الــداخــل­ــي الليبي منذ سنوات، إذ إنها تـدور في فلك ضيق، تتجاذبه مصالح الـــدول األجنبية، بـل وحتى اإلقليمية، املتداخلة فـي الشأن الـــلـــي­ـــبـــي، األمــــــ­ـر الـــــــذ­ي يــــقــــ­ود إلــــــى نـتـيـجـة ومحصلة واحــدة، أن على الشعب الليبي، والـنـخـب الفاعلة فـيـه، والــقــاع­ــدة الشعبية الــتــي بـيـدهـا الـتـغـيـي­ـر الـحـقـيـق­ـي، أن تـقـود التغيير بــالــدرج­ــة األولــــى، كـمـا أن أي حل للخالف السياسي، ال بد أن يكون منبثقا من الداخل، وأن يتبناه تيار وطني ينتشل البالد من هذا الوضع داخليا، وأن يحجم الفعل الخارجي املتداخل فيه قدر اإلمكان، وأن يجعل هذا التغيير واقعا يتعايش معه الـتـيـار السياسي الـداخـلـي أوال، لينعكس أثـــــره عــلــى الــبــعــ­د الــــدولـ­ـــي واإلقـــلـ­ــيـــمـــ­ي في التعامل مع األزمة الليبية ثانيا. كما أن تغيير مبعوثني أممني في ليبيا أو استقالتهم ال يعني كثيرًا بالنسبة للعمل الـسـيـاسـ­ي الــداخــل­ــي، بـقـدر مــا يعني لــدول مهتمة بامللف الليبي، تـرعـى مصالحها، وتعمل على تحقيق أهدافها، بغض النظر عن االستقرار السياسي الداخلي من عدمه. والشواهد على ذلك كثيرة وحية في األزمة الليبية التي وصل عدد املبعوثني األمميني فــيــهــا مـــنـــذ 2011 إلـــــى أكـــثـــر مــــن ثــمــانــ­يــة، ومــا زالـــت لــم تستطع أن تـجـدد أجسامها التشريعية، بعد نجاح تجربتها األولى في املؤتمر الوطني العام في .2012 عـــــودًا عــلــى بــــــدء.. الــــحـــ­ـوار الـــوطـــ­نـــي أنـجـح الطرق في حل األزمـة السياسية في البالد على املــديــن­ي، الـقـريـب والـبـعـيـ­د، وأن يكون وطنيا خالصا في التكوين واملنشأ واإلطار العام، على أن تكون البعثة األممية داعمة أي اتـــفـــا­ق يــصــل إلــيــه الــلــيــ­بــيــون، ال حـكـمـا ومتداخال، وهـذا الـذي تفتقده البعثة منذ سنوات.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar