Al Araby Al Jadeed

زيلنسكي متسّوًال بعد الهجوم اإليراني

- زياد بركات

لـم يكن الرئيس األوكــران­ــي فولوديمير زيلينسكي فـي أفضل أحــوالــه، ليلة السبت املاضي، وهو يتابع رد فعل حلفائه في الغرب، وطائراتهم تحلق في منطقة الشرق األوســــط، وتـتـصـدى لسيل جـــارف مــن الــطــائـ­ـرات املـسـيـرة والــصــوا­ريــخ الباليستية التي أطلقتها إيران، في أول هجمات تنطلق من أراضيها على اإلطالق، وتستهدف إسرائيل. تبدو أسئلة زيلينسكي للوهلة األولى مشروعة، فلماذا يكرس الغرب، وفي مقدمته الواليات املتحدة، جهوده العسكرية والدبلوماس­ية كلها لتجنيب إسرائيل ردًا إيرانيًا عقابيًا وال يفعل ذلـك مع بــالده؟ وملــاذا نتنياهو وليس هـو؟ ملــاذا تـزود واشنطن تل أبيب بأحدث األسلحة، ومن بينها طائرات إف - 53، وتقيم جسرًا جويًا لتزويدها بالذخائر حتى من دون موافقة الكونغرس، بينما هو يتسول تزويده بأي مضادات جوية أو منظومات دفاع صاروخية هو في أمس الحاجة إليها كي ال تسقط تشاسيف يار (شرق أوكرانيا) بعد باخموت؟ ليس زيلينسكي هاملت لتكون أسئلته ذات صبغة فلسفية وجودية، بل مجرد ممثل تـــورط فـي الـــدور أكثر مما يجب، فجر بــالده إلــى مستنقع أريـــد لروسيا أن تغرق وتتخبط ّفيه. لكن أسئلته، وســـواه مـن مسؤولن أوكـرانـيـ­ن، تكشف للمرة األلـف «استثنائية» العالقة اإلسرائيلي­ة بالواليات املتحدة وفرادتها، واالرتـبـا­ط العضوي بينهما، وهو ما ال تحظى بمثله كييف وسواها حتى داخل أوروبـا الغربية. يعرف زيلينسكي ذلـك جيدًا، ولذلك سعى، منذ بـدء ما سمته روسيا العملية العسكرية الخاصة في بالده، إلى التماهي مع إسرائيل، وعندما تعذر عليه ذلك حاول الربط بن الغزو الروسي واملقاومة الفلسطينية، بن أوكرانيا وإسرائيل باعتبارهما ضحيتي اإلرهاب الذي يجب أن تتكاتف الجهود الدولية لهزيمته. وعندما أخفق في هذا أيضًا، سعى إلى التودد إلسرائيل نفسها باعتبارها صاحبة التأثير األكبر على واشنطن، في ظنه على األقل. على أن الرئيس األوكراني ظل في مربع الرهان على تغير ما في موقف إسرائيل، من ّشأنه ترجيح كفته داخل دوائر النفوذ في واشنطن. وكلما الحت فرصة اغتنمها لتملق إسرائيل، فغداة هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين األول الذي سجلت نصرًا استراتيجيًا نادرًا للمقاومة الفلسطينية، لم تنجح حرب اإلبادة على غزة في محوه أو تحويله إلـى هزيمة، ســارع زيلينسكي إلـى عـرض نفسه حليفًا لتل أبيب، يقف معها في الضراء، فاقترح القيام بزيارة تضامنية، لكن رد إسرائيل كان مزيجًا من االستخفاف والصفعة، فالوقت غير مناسب لزيارة كهذه، بينما استقبلت بترحاب استثنائي بايدن وزعماء غربين آخرين في الفترة نفسها، فماذا كان رد فعل الرجل على الصفعة؟ ال شـيء يشي بـأن ثّمة كرامة هنا، واألخـيـرة يمكن أن توصف بها مواقف الدول كما األفراد، بل املزيد من محاوالت التودد إلسرائيل، واملساعي التي ال تكل للربط بن روسيا وأي قوة في اإلقليم تناصب تل أبيب العداء، فهجمات السابع من أكتوبر التي فاجأت قادة حركة حماس في الخارج أنفسهم، وليس إيران فقط، هـي ّفـي روايـــة زيلينسكي التسويقية ذات صلة بروسيا وإيـــران اللتن قـال إنهما متورطتان في الهجمات بتأجيجهما الـصـراع في املنطقة. لكن أحــدًا في العالم لم ير مساهمة استثنائية أو مقاربة تستحق التوقف في كـالم زيلينسكي ذاك. وال بأس في أن يستمر الرجل في محاوالته التي يبدو أنها ال تستوقف أرنبًا يركض في حقل ذرة، كما يقال في االستعارات، ما اضطره إلى التسول مجددًا بعدما رأى كيف هب الغرب إلسقاط املسيرات والصواريخ اإليرانية قبل سقوطها في إسرائيل: نحن بحاجة أيضًا، وليس إسرائيل فقط، ملن يساعدنا للتصدي للتهديدات الجوية الروسية، فتصرفات إيــران تشبه ما تفعله روسـيـا، وكلتاهما تتعاونان في نشر اإلرهــاب، وتهددان بنشوب صراع أكبر في العالم، ويجب أن يكون هناك رد موحد ضدهما. أال تسمعون تـضـرعـات زيلينسكي؟ ألـيـس ثـمـة أحــد يصدقه ويـهـرع لنجدته؟ ألم تسمعوا صرخاته اليائسة؟ ليس زيلينسكي هاملت ليخلد النقاد والتاريخ والنظارة أسئلته ويتعاطفوا مع توسالته.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar