Al Araby Al Jadeed

أجندة إيران... ماذا عن العرب؟

- محمد أحمد بنيس

أثار الهجوم اإليراني على إسرائيل، فجر األحد املاضي، ردًا على الهجوم اإلسرائيلي على القنصلية اإليـرانـي­ـة فـي دمشق مستهل إبـريـل/ نيسان الـجـاري، تباينًا في الرأي العام العربي، فهناك من رأى فيه مناورة توخت إيران، من خاللها، تحسن صورتها أمـام شعوب املنطقة، هذا فضال عن أنه كانت للرد تداعيات معكوسة، تبدت، في الخصوص، في ترميم التحالف الغربي اإلسرائيلي بعد التصدعات التي شهدها في األسابيع األخيرة. وفي املقابل، هناك من اعتبر الرد عمال فاقم تخبط صانع القرار اإلسرائيلي، وكشف هشاشة إسرائيل التي ما كان لها أن تتصدى للمسيرات والصواريخ اإليرانية من دون دعم الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا. تقتضي املـوضـوعـ­يـة وضــع الـهـجـوم اإليــرانـ­ـي ضمن املشهد الجيوسياسي في اإلقليم، الذي بات ينذر بتحوالت عميقة نتيجة العدوان اإلسرائيلي املستمر على غـزة وتداعياته في املنظور البعيد. وفي الوسع القول إن إيــران حققت بهجومها على العمق اإلسرائيلي مكاسب ال يستهان بها، على الرغم من أن معظم املسيرات والـصـواري­ـخ التي أطلقتها إيـــران، وفــق مـا ساقته تقارير إخـبـاريـة، لـم تصل إلى أهــدافــه­ــا. أبـــرز هـــذه املـكـاسـب نـجـاح إيــــران فــي تـوجـيـه ضـربـة أخـــرى لـقـوة الـــردع اإلسرائيلي­ة بعد ضربة السابع من أكتوبر/ تشرين األول املعلومة. وهو ما يعني وضع قواعد اشتباك جديدة بن الطرفن، إذ سيكون من الصعب على إسرائيل، من اآلن، استهداف املصالح اإليرانية من دون أن تتوقع ردًا إيرانيًا، ليس بالضرورة أن يكون عبر وكالئها وحلفائها في اإلقليم. كان الفتا أن الهجوم الذي شنته طهران انطلق من األراضــي اإليرانية، وهو ما يحمل في طياته رسالة ال تخلو من داللة، مفادها أن إيران ليست دائما بحاجة لوكالئها وحلفائها في العراق ولبنان وسورية واليمن كي تحافظ على نفوذها ومصالحها. فــي الـسـيـاق ذاتــــه، نجحت إيـــــران، عـلـى األقـــل فــي املـنـظـور الــقــريـ­ـب، فــي استبعاد مشروعها النووي من دائـرة الضغط، في ظل انشغال العالم بما يحدث في غزة، وبدرجة أقـل في أوكرانيا. وهـو ما يتيح لها االنـعـراج بهذا املشروع إلـى حيث قد يشكل تهديدا، وفق الحسابات اإلسرائيلي­ة والغربية، للتوازنات اإلقليمية والدولية القائمة. من ناحية أخرى، يبدو الرد اإليراني محبطا للمحور العربي (السني). ومن املرجح أن يتضاعف منسوب هــذا اإلحـبـاط إذا أخفقت دولــة االحـتـالل فـي القضاء على حركة حماس وتفكيك قدراتها بالكامل، ألن ذلـك سيجعل من إيــران (الشيعية) الدولة الوحيدة التي سعت، من خالل ردها، على محدوديته وبراغماتيت­ه، إلى إرباك إسرائيل، في وقت تقف فيه الدول العربية، السنية، عاجزة عن فعل أي شيء إليقاف آلـة القتل اإلسرائيلي­ة في غــزة، ما يعني، بالضرورة، عجزها عن مجاراة التمدد السياسي واملذهبي اإليراني في املنطقة. ال يختلف اثنان في أن إليران أجندتها في اإلقليم. ولكن ماذا فعل العرب في مواجهة ذلك؟ ال شيء. ... غير أنهم يمنون النفس بأن تتصدى الواليات املتحدة وإسرائيل، نيابة عنهم، للتهديد اإليراني، وإعفائهم من عناء وضع استراتيجية عربية محكمة للتعاطي مع ما يشهده اإلقليم من متغيرات، خاصة بعد السابع من أكتوبر. وكل ما فعلته حكوماتهم، منذ بدء العدوان اإلسرائيلي، أنها وضعت بيضها، الفاسد أصال، في السلتن األميركية واإلسرائيل­ية، وتركت املجال مفتوحا إليران لتتمدد أكثر وأكثر. السياسة، مثل الطبيعة، ال تقبل الفراغ. وال شك أن إيران، بقدرتها على املـنـاورة واللعب على تناقضات اإلقليم، قد راكمت خبرة في استخالص العائد االستراتيج­ي الناجم عن الغياب العربي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar