ماذا لو حصلت الحرب بين إيران وإسرائيل؟
خاب أمل البعض من عدم دخول إيران في حـــرب مـعـلـنـة وشــامــلــة ضـــد إســرائــيــل بعد أن سـارعـت طـهـران، عبر بعثتها فـي األمـم املــتــحــدة، إلـــى اإلعــــان أنــــه مـــع إطــــاق 420 مسيرة وصــاروخ كـروز وباليستي «يمكن اعتبار األمر منتهيًا»، وأن هذا القصف هو «إجــــراء دفــاعــي»، ولـيـس هجومًا أو إعـان حرب. وهددت إيران على لسان نائب وزير خارجيتها للشؤون السياسية، علي باقري كني، االثنني الفائت، أن ردها على إسرائيل سيكون مباشرًا، وبدون انتظار، إذا تجرأت إسرائيل وارتكبت خطأ جديدًا. هذا يعني أن مــا فعلته إيــــران فــي ردهــــا عـلـى الــغــارة اإلسرائيلية على القنصلية اإليـرانـيـة في دمشق، واغتيال 16 شخصية، بينهم اثنان مــن قــــادة الــحــرس الـــثـــوري، لـيـس أكــثــر من رسـالـة رمـزيـة توجهها، مـن جهة ألذرعها فــــي املــنــطــقــة لــلــحــفــاظ عـــلـــى مــصــداقــيــتــهــا وعـــلـــى مــــاء الـــوجـــه، ومــــن جـــهـــة ثــانــيــة إلــى إسرائيل، ومن خلفها شركائها في الغرب، أنها العب إقليمي قادر على الرد. مــــا فــعــلــتــه إســــرائــــيــــل فــــي هـــجـــومـــهـــا عـلـى القنصلية اإليرانية في دمشق هو جريمة وخــــرق صــــارخ التــفــاقــيــة فـيـيـنـا لـلـعـاقـات الــدبــلــومــاســيــة، الــتــي انــعــقــدت فـــي مـؤتـمـر األمـــم املـتـحـدة فــي إبــريــل/ نـيـسـان مــن عـام .1961 وكان سببًا مشروعًا إليران للدخول فــي حـــرب مـفـتـوحـة وشــامــلــة مــع إسـرائـيـل بـــحـــجـــة الــــدفــــاع عــــن نــفــســهــا ضـــــد عـــــدوان خــارجــي، ولكنها ال تـريـد ذلـــك، وهــي تعلم جيدًا أن املواجهة الشاملة واملباشرة ليست فــي مصلحتها، وقـــد تــجــردهــا مــن النفوذ اإلقـــلـــيـــمـــي والـــهـــيـــمـــنـــة عـــلـــى بـــعـــض الـــــدول الـعـربـيـة، كـمـا أن مــيــزان الــقــوى العسكري والــــدولــــي يــمــيــل لــصــالــح إســـرائـــيـــل، لــذلــك كــــان ردهـــــا تـكـتـيـكـيـًا مــحــكــومــًا بــحــســابــات براغماتية ال يتناسب مع حجم خسارتها جـــراء قصف قنصليتها، بحيث ال تعطي لـنـتـنـيـاهـو سـبـبـًا «مـــشـــروعـــًا» ملهاجمتها وإطالة أمد الحرب. وبــــنــــاء عــلــيــه، فـــــإن عـــــددًا صــغــيــرًا جـــــدًا من الصواريخ واملسيرات، استطاعت اختراق الــدفــاعــات الـجـويـة األمـيـركـيـة واإلنكليزية والفرنسية والقبة الحديدية اإلسرائيلية والوصول ألهدافها. بـعـد رســـائـــل الـتـهـدئـة اإليــرانــيــة الـسـريـعـة، خاب أمل بعض املراقبني في حصول حرب شاملة بني إيران وإسرائيل، كما خاب أمل بنيامني نتنياهو في دفع طهران ما أمكن إلــــى الــتــصــعــيــد وتـــوريـــط واشــنــطــن معها فــي هـــذه الــحــرب، فـهـو يعلم أنــهــا مخرجه الوحيد من مأزق جريمة اإلبادة الجماعية الــتــي يرتكبها جـيـشـه بـحـق غـــزة وأهـلـهـا، ولم تحقق له أي نجاح حتى اآلن في نظر املجتمع اإلسرائيلي. وهـو يعلم أن نصف دول أوروبـــــا الـغـربـيـة، وخــاصــة الاتينية والـــــدول االســكــنــدنــافــيــة، تــطــالــب إسـرائـيـل منذ أشهر بوقف هجومها اإلجرامي على غزة والسماح بدخول املساعدات الغذائية.
أمــــا الــنــصــف اآلخــــر مـــن الـــــدول األوروبـــيـــة، األنـغـلـوسـكـسـونـيـة مـــن حــيــث الــثــقــافــة، أو الـــتـــي يـــقـــودهـــا يـــمـــني شــــعــــبــــوي، فـــلـــم تـقـل عـمـومـا شيئا يـذكـر عـن املــذابــح الصارخة التي يرتكبها الجيش اإلسرائيلي في غزة، ولكنها بـدأت تشعر بالقلق الشديد بشأن عدم توصل الجيش اإلسرائيلي إلى نتائج ملموسة، وتجاه االنـتـقـادات املتزايدة لها مـن قبل الـــرأي الـعـام واتهامها بالتواطؤ، الــضــمــنــي والـــصـــريـــح، فـــي جــريــمــة اإلبــــادة الجماعية التي أقرها القانون الدولي منذ نــصــف قــــرن ومــــا يــخــضــع لــهــا مـــن تــبــعــات قانونية. وبـــــشـــــكـــــل خــــــــــاص حـــــــني أعــــــلــــــن االتــــــحــــــاد األوروبــي، العالق بني هذين املوقفني، قبل شــهــر أن إســـرائـــيـــل ال تــســمــح بـــدخـــول مـا يكفي من الغذاء إلـى غــزة، وأنها تستخدم الجوع «كساح حرب»، طبعًا دون اإلشارة إلــى طبيعة اإلبــــادة الجماعية لــإجــراءات اإلسرائيلية، مع العلم أن ما يحصل على أرض الـــواقـــع فـــي غــــزة يــتــوافــق تــمــامــا مع الفقرة (ج) من املادة الثانية من اتفاقية عام 1948 بشأن «منع جريمة اإلبادة الجماعية واملعاقبة عليها»: إخضاع أعضاء جماعة (قـومـيـة أو إثـنـيـة أو عنصرية أو ديـنـيـة)، عمدًا، لظروف معيشية يـراد بها تدميرها املــــــادي، كــلــيــًا أو جــزئــيــًا، وهـــو مـــا يحصل فـعـلـيـًا فــي غــــزة. بـعـض املـنـاهـضـني إليـــران وإلسرائيل معًا في منطقة الشرق األوسط كان يأمل ويرغب في حصول حرب شاملة بــيــنــهــمــا، مـــن مـــبـــدأ «عـــــــدوان يــتــصــارعــان، لــنــنــتــهــي مــــن واحــــــد مـــنـــهـــمـــا». ولـــكـــن مــــاذا لـــو حــصــلــت فـــعـــا هــــذه الـــحـــرب بـــني إيــــران وإسرائيل؟ يجب أن نـدرك أنها ستكون بمثابة كارثة إنسانية غير مسبوقة على شعوب املنطقة، وخــاصــة عـلـى الــفـئــات االجـتـمـاعـيـة األكـثـر ضعفًا. إن املواجهة املسلحة الشاملة بني إيـــــران وإســـرائـــيـــل، الــتــي تـمـتـلـك مـــا ال يقل عن مائتي رأس نووي واملستعدة الرتكاب أيــــة مـذبـحـة أخــــرى لـلـحـصـول عـلـى مظهر مـــن مــظــاهــر الــنــصــر، كــانــت لـتـسـبـب املـــوت والـــفـــوضـــى، لــيــس فــقــط فـــي إيــــــران، بـــل في
مـخـتـلـف أنـــحـــاء مـنـطـقـة الـــشـــرق األوســـــط. فــإســرائــيــل لـــن تــهــاجــم إيــــــران فــحــســب، بل سـتـهـاجـم أيــضــا آالف األهـــــداف فــي جميع أنـــحـــاء لــبــنــان وســـوريـــة والــــعــــراق والــيــمــن ومـيـاه الخليج العربي، حيث تمر ناقات النفط اإليـرانـيـة. وفـي جميع هـذه البلدان، وحـتـى فـي األردن املــوجــود فـي وســط هذه املــعــمــعــة، كـــان مـــن املـمــكــن تـسـجـيـل أضـــرار بـشـريـة ومـــاديـــة هـائـلـة، ألن جـيـش الـكـيـان الـصـهـيـونـي، الــــذي تـسـيـطـر عـلـيـه حكومة يمني متطرف تطغى عليها نزعة نرجسية تدميرية إجـرامـيـة، يريد التدمير الشامل، وليس الدقة في إصابة األهداف العسكرية، وهــــــذا أعـــلـــنـــه صــــراحــــة املـــتـــحـــدث بــاســمــه، دانييل هاغاري. سيعم دمـــار شـامـل فـي املنطقة، بما فيها إســرائــيــل، يــطــاول الـحـجـر والــبــشــر، جنون تـــدمـــيـــري لــلــمــبــانــي الــســكــنــيــة فــــي الـــقـــرى واملــــــدن ولــلــبــنــيــة الــتــحــتــيــة الــحــيــويــة، بما فــي ذلــك الـنـقـل والـصـحـة والتعليم واملـيـاه واالتــــصــــاالت، وربـــمـــا فــي غــضــون شهرين سيدخل الـشـرق األوســـط بأكمله فـي حالة مــن الـــركـــود االقــتــصــادي الــحــاد واالنــهــيــار الــســريــع، ومـــا يـتـبـعـهـا مـــن نـــــزوح عــشــرات املــــايــــني مــــن الـــبـــشـــر هـــربـــًا مــــن الــــجــــوع أو مــن الــقــتــال، ومــحــاولــة مــئــات اآلالف منهم للوصول إلى تركيا وأوروبـا، حيث ال أحد يريد املزيد من موجات الهجرة من الشرق األوســـــط. إن دول أوروبـــــا الـــيـــوم منقسمة عــلــى نـفـسـهـا بـــشـــأن تـعـامـلـهـا مـــع جـريـمـة اإلبـادة الجماعية في غزة، ولكنها لألسف مــتــحــدة بـــشـــأن الـــرفـــض الــقــاطــع ملـــزيـــد من موجات الهجرة من الشرق األوسط. ال تـمـلـك إيــــران حـالـيـا أيـــة وسـيـلـة لهزيمة إســـــرائـــــيـــــل املـــــدعـــــومـــــة مــــــن أقـــــــــوى الـــــــدول الغربية، وقـد كشف هجومها الصاروخي عــن «وجـــود أوركــســتــرا فاعلة فــي املنطقة، لـلـدفـاع عــن إســرائــيــل» تــشــارك فيها بلدان عربية لـألسـف. فـي أحـسـن األحــــوال، يمكن إليــــــران أن تــصــمــد وتــــقــــاوم الــــحــــرب لـــعـــدة سـنـوات على أمـل أن تصبح مكلفة للغاية بالنسبة للمعتدي وتجبره على التوقف والتراجع، وستعتبر ذلك نصرًا كبيرًا، مثل
ما فعله الحوثيون أو طالبان ضـد القوى التقليدية األكثر قوة، ولكن بأي ثمن؟ تـشـكـل حـالـتـي الـيـمـن وأفــغــانــســتــان الـيـوم مـن بـني أســوأ األزمـــات اإلنسانية املعروفة في العالم، بعد غزة مباشرة، وهما موطن ملــايــني الـــنـــازحـــني داخـــلـــيـــًا، والـــذيـــن غـالـبـا مـا يعانون مـن الـجـوع والـحـرمـان وتفشي األمراض. ففي عام ،2023 كان هناك حوالى 21.6 مليون يمني يحتاجون إلى شكل من أشـكـال املساعدة اإلنسانية السريعة، كما أكـــد تـقـريـر صـــادر عــن شبكة نـظـام اإلنـــذار املـبـكـر بـاملـجـاعـة »FEWS NET« أن اليمن ســيــظــل بـــحـــلـــول أكــــتــــوبــــر/ تـــشـــريـــن األول 2024 الـدولـة األكـثـر احتياجًا للمساعدات اإلنسانية، مع استمرار تفاقم أزمة انعدام األمـــن الـغـذائـي دون أي بـــوادر تحسن. أما في أفغانستان، فخمسة وتسعون في املائة مـن الـنـاس ال يملكون طعاما كـافـيـا، 6.6و مايني شخص معرضون لخطر املجاعة، فــــي حــــني يـــعـــانـــي مـــلـــيـــون طـــفـــل مــــن ســـوء الـتـغـذيـة الـــحـــاد، بـحـسـب تــقــاريــر الصليب األحمر الدولي. مــهــمــا كـــانـــت مـــواقـــفـــنـــا الـــســـيـــاســـيـــة تــجــاه طهران وتـل أبيب، علينا أن نــدرك أن عـداء إيران إلسرائيل ليس من أجل فلسطني وال الفلسطينيني، وأن الصراع بينهما ناتج عن املنافسة على النفوذ واملصالح اإلقليمية، وعـــلـــيـــنـــا أن نـــــــرى فـــــي غــــيــــاب الــتــصــعــيــد والــحــرب الشاملة بينهما فـرصـة لشعوب املنطقة وليس العكس، وحدهم أعـداء هذه الشعوب من يتمنون هذه الحرب. وال بديل لنا عن متابعة الضغوط الشعبية املتزايدة (املــظــاهــرات، حـركـة املقاطعة االقـتـصـاديـة، جـمـعـيـات املـــســـانـــدة...)، ســــواء فــي املنطقة العربية أو فـي دول العالم الغربي، لوقف جـريـمـة حـــرب اإلبــــادة الجماعية ضــد غـزة فــي أســــرع وقـــت مـمـكـن، ومــســانــدة الشعب الــفــلــســطــيــنــي فـــــي نـــضـــالـــه لـــنـــيـــل حــقــوقــه واالعـــتـــراف بـــدولـــة فلسطينية كـمـا تنص عـلـيـه املـــواثـــيـــق الـــدولـــيـــة وقــــــرارات مجلس األمن.
أية حرب بين إيران وإسرائيل ستكون بمثابة كارثة إنسانية غير مسبوقة على شعوب المنطقة
ال تملك إيران حاليًا أية وسيلة لهزيمة إسرائيل المدعومة من أقوى الدول الغربية