Al Araby Al Jadeed

ماذا لو حصلت الحرب بين إيران وإسرائيل؟

- عزام أمين ولوران المبيرت

خاب أمل البعض من عدم دخول إيران في حـــرب مـعـلـنـة وشــامــلـ­ـة ضـــد إســرائــي­ــل بعد أن سـارعـت طـهـران، عبر بعثتها فـي األمـم املــتــحـ­ـدة، إلـــى اإلعــــان أنــــه مـــع إطــــاق 420 مسيرة وصــاروخ كـروز وباليستي «يمكن اعتبار األمر منتهيًا»، وأن هذا القصف هو «إجــــراء دفــاعــي»، ولـيـس هجومًا أو إعـان حرب. وهددت إيران على لسان نائب وزير خارجيتها للشؤون السياسية، علي باقري كني، االثنني الفائت، أن ردها على إسرائيل سيكون مباشرًا، وبدون انتظار، إذا تجرأت إسرائيل وارتكبت خطأ جديدًا. هذا يعني أن مــا فعلته إيــــران فــي ردهــــا عـلـى الــغــارة اإلسرائيلي­ة على القنصلية اإليـرانـي­ـة في دمشق، واغتيال 16 شخصية، بينهم اثنان مــن قــــادة الــحــرس الـــثـــو­ري، لـيـس أكــثــر من رسـالـة رمـزيـة توجهها، مـن جهة ألذرعها فــــي املــنــطـ­ـقــة لــلــحــف­ــاظ عـــلـــى مــصــداقـ­ـيــتــهــ­ا وعـــلـــى مــــاء الـــوجـــ­ه، ومــــن جـــهـــة ثــانــيــ­ة إلــى إسرائيل، ومن خلفها شركائها في الغرب، أنها العب إقليمي قادر على الرد. مــــا فــعــلــت­ــه إســــرائـ­ـــيــــل فــــي هـــجـــوم­ـــهـــا عـلـى القنصلية اإليرانية في دمشق هو جريمة وخــــرق صــــارخ التــفــاق­ــيــة فـيـيـنـا لـلـعـاقـا­ت الــدبــلـ­ـومــاســي­ــة، الــتــي انــعــقــ­دت فـــي مـؤتـمـر األمـــم املـتـحـدة فــي إبــريــل/ نـيـسـان مــن عـام .1961 وكان سببًا مشروعًا إليران للدخول فــي حـــرب مـفـتـوحـة وشــامــلـ­ـة مــع إسـرائـيـل بـــحـــجـ­ــة الــــدفــ­ــاع عــــن نــفــســه­ــا ضـــــد عـــــدوان خــارجــي، ولكنها ال تـريـد ذلـــك، وهــي تعلم جيدًا أن املواجهة الشاملة واملباشرة ليست فــي مصلحتها، وقـــد تــجــردهـ­ـا مــن النفوذ اإلقـــلــ­ـيـــمـــي والـــهـــ­يـــمـــنـ­ــة عـــلـــى بـــعـــض الـــــدول الـعـربـيـ­ة، كـمـا أن مــيــزان الــقــوى العسكري والــــدول­ــــي يــمــيــل لــصــالــ­ح إســـرائــ­ـيـــل، لــذلــك كــــان ردهـــــا تـكـتـيـكـ­يـًا مــحــكــو­مــًا بــحــســا­بــات براغماتية ال يتناسب مع حجم خسارتها جـــراء قصف قنصليتها، بحيث ال تعطي لـنـتـنـيـ­اهـو سـبـبـًا «مـــشـــرو­عـــًا» ملهاجمتها وإطالة أمد الحرب. وبــــنـــ­ـاء عــلــيــه، فـــــإن عـــــددًا صــغــيــرًا جـــــدًا من الصواريخ واملسيرات، استطاعت اختراق الــدفــاع­ــات الـجـويـة األمـيـركـ­يـة واإلنكليزي­ة والفرنسية والقبة الحديدية اإلسرائيلي­ة والوصول ألهدافها. بـعـد رســـائـــ­ل الـتـهـدئـ­ة اإليــرانـ­ـيــة الـسـريـعـ­ة، خاب أمل بعض املراقبني في حصول حرب شاملة بني إيران وإسرائيل، كما خاب أمل بنيامني نتنياهو في دفع طهران ما أمكن إلــــى الــتــصــ­عــيــد وتـــوريــ­ـط واشــنــطـ­ـن معها فــي هـــذه الــحــرب، فـهـو يعلم أنــهــا مخرجه الوحيد من مأزق جريمة اإلبادة الجماعية الــتــي يرتكبها جـيـشـه بـحـق غـــزة وأهـلـهـا، ولم تحقق له أي نجاح حتى اآلن في نظر املجتمع اإلسرائيلي. وهـو يعلم أن نصف دول أوروبـــــ­ا الـغـربـيـ­ة، وخــاصــة الاتينية والـــــدو­ل االســكــن­ــدنــافــ­يــة، تــطــالــ­ب إسـرائـيـل منذ أشهر بوقف هجومها اإلجرامي على غزة والسماح بدخول املساعدات الغذائية.

أمــــا الــنــصــ­ف اآلخــــر مـــن الـــــدول األوروبـــ­يـــة، األنـغـلـو­سـكـسـونـي­ـة مـــن حــيــث الــثــقــ­افــة، أو الـــتـــي يـــقـــود­هـــا يـــمـــني شــــعــــ­بــــوي، فـــلـــم تـقـل عـمـومـا شيئا يـذكـر عـن املــذابــ­ح الصارخة التي يرتكبها الجيش اإلسرائيلي في غزة، ولكنها بـدأت تشعر بالقلق الشديد بشأن عدم توصل الجيش اإلسرائيلي إلى نتائج ملموسة، وتجاه االنـتـقـا­دات املتزايدة لها مـن قبل الـــرأي الـعـام واتهامها بالتواطؤ، الــضــمــ­نــي والـــصـــ­ريـــح، فـــي جــريــمــ­ة اإلبــــاد­ة الجماعية التي أقرها القانون الدولي منذ نــصــف قــــرن ومــــا يــخــضــع لــهــا مـــن تــبــعــا­ت قانونية. وبـــــشــ­ـــكـــــل خـــــــــ­ـاص حـــــــني أعــــــلـ­ـــــن االتــــــ­حــــــاد األوروبــي، العالق بني هذين املوقفني، قبل شــهــر أن إســـرائــ­ـيـــل ال تــســمــح بـــدخـــو­ل مـا يكفي من الغذاء إلـى غــزة، وأنها تستخدم الجوع «كساح حرب»، طبعًا دون اإلشارة إلــى طبيعة اإلبــــاد­ة الجماعية لــإجــراء­ات اإلسرائيلي­ة، مع العلم أن ما يحصل على أرض الـــواقــ­ـع فـــي غــــزة يــتــوافـ­ـق تــمــامــ­ا مع الفقرة (ج) من املادة الثانية من اتفاقية عام 1948 بشأن «منع جريمة اإلبادة الجماعية واملعاقبة عليها»: إخضاع أعضاء جماعة (قـومـيـة أو إثـنـيـة أو عنصرية أو ديـنـيـة)، عمدًا، لظروف معيشية يـراد بها تدميرها املــــــا­دي، كــلــيــًا أو جــزئــيــًا، وهـــو مـــا يحصل فـعـلـيـًا فــي غــــزة. بـعـض املـنـاهـض­ـني إليـــران وإلسرائيل معًا في منطقة الشرق األوسط كان يأمل ويرغب في حصول حرب شاملة بــيــنــه­ــمــا، مـــن مـــبـــدأ «عـــــــدو­ان يــتــصــا­رعــان، لــنــنــت­ــهــي مــــن واحــــــد مـــنـــهـ­ــمـــا». ولـــكـــن مــــاذا لـــو حــصــلــت فـــعـــا هــــذه الـــحـــر­ب بـــني إيــــران وإسرائيل؟ يجب أن نـدرك أنها ستكون بمثابة كارثة إنسانية غير مسبوقة على شعوب املنطقة، وخــاصــة عـلـى الــفـئــا­ت االجـتـمـا­عـيـة األكـثـر ضعفًا. إن املواجهة املسلحة الشاملة بني إيـــــران وإســـرائـ­ــيـــل، الــتــي تـمـتـلـك مـــا ال يقل عن مائتي رأس نووي واملستعدة الرتكاب أيــــة مـذبـحـة أخــــرى لـلـحـصـول عـلـى مظهر مـــن مــظــاهــ­ر الــنــصــ­ر، كــانــت لـتـسـبـب املـــوت والـــفـــ­وضـــى، لــيــس فــقــط فـــي إيــــــرا­ن، بـــل في

مـخـتـلـف أنـــحـــا­ء مـنـطـقـة الـــشـــر­ق األوســـــ­ط. فــإســرائ­ــيــل لـــن تــهــاجــ­م إيــــــرا­ن فــحــســب، بل سـتـهـاجـم أيــضــا آالف األهـــــد­اف فــي جميع أنـــحـــا­ء لــبــنــا­ن وســـوريــ­ـة والــــعــ­ــراق والــيــمـ­ـن ومـيـاه الخليج العربي، حيث تمر ناقات النفط اإليـرانـي­ـة. وفـي جميع هـذه البلدان، وحـتـى فـي األردن املــوجــو­د فـي وســط هذه املــعــمـ­ـعــة، كـــان مـــن املـمــكــ­ن تـسـجـيـل أضـــرار بـشـريـة ومـــاديــ­ـة هـائـلـة، ألن جـيـش الـكـيـان الـصـهـيـو­نـي، الــــذي تـسـيـطـر عـلـيـه حكومة يمني متطرف تطغى عليها نزعة نرجسية تدميرية إجـرامـيـة، يريد التدمير الشامل، وليس الدقة في إصابة األهداف العسكرية، وهــــــذا أعـــلـــن­ـــه صــــراحــ­ــة املـــتـــ­حـــدث بــاســمــ­ه، دانييل هاغاري. سيعم دمـــار شـامـل فـي املنطقة، بما فيها إســرائــي­ــل، يــطــاول الـحـجـر والــبــشـ­ـر، جنون تـــدمـــي­ـــري لــلــمــب­ــانــي الــســكــ­نــيــة فــــي الـــقـــر­ى واملــــــ­دن ولــلــبــ­نــيــة الــتــحــ­تــيــة الــحــيــ­ويــة، بما فــي ذلــك الـنـقـل والـصـحـة والتعليم واملـيـاه واالتــــص­ــــاالت، وربـــمـــ­ا فــي غــضــون شهرين سيدخل الـشـرق األوســـط بأكمله فـي حالة مــن الـــركـــ­ود االقــتــص­ــادي الــحــاد واالنــهــ­يــار الــســريـ­ـع، ومـــا يـتـبـعـهـ­ا مـــن نـــــزوح عــشــرات املــــايـ­ـــني مــــن الـــبـــش­ـــر هـــربـــًا مــــن الــــجـــ­ـوع أو مــن الــقــتــ­ال، ومــحــاول­ــة مــئــات اآلالف منهم للوصول إلى تركيا وأوروبـا، حيث ال أحد يريد املزيد من موجات الهجرة من الشرق األوســـــ­ط. إن دول أوروبـــــ­ا الـــيـــو­م منقسمة عــلــى نـفـسـهـا بـــشـــأن تـعـامـلـه­ـا مـــع جـريـمـة اإلبـادة الجماعية في غزة، ولكنها لألسف مــتــحــد­ة بـــشـــأن الـــرفـــ­ض الــقــاطـ­ـع ملـــزيـــ­د من موجات الهجرة من الشرق األوسط. ال تـمـلـك إيــــران حـالـيـا أيـــة وسـيـلـة لهزيمة إســـــرائ­ـــــيــــ­ـل املـــــدع­ـــــومـــ­ــة مــــــن أقــــــــ­ـوى الـــــــد­ول الغربية، وقـد كشف هجومها الصاروخي عــن «وجـــود أوركــســت­ــرا فاعلة فــي املنطقة، لـلـدفـاع عــن إســرائــي­ــل» تــشــارك فيها بلدان عربية لـألسـف. فـي أحـسـن األحــــوا­ل، يمكن إليــــــر­ان أن تــصــمــد وتــــقـــ­ـاوم الــــحـــ­ـرب لـــعـــدة سـنـوات على أمـل أن تصبح مكلفة للغاية بالنسبة للمعتدي وتجبره على التوقف والتراجع، وستعتبر ذلك نصرًا كبيرًا، مثل

ما فعله الحوثيون أو طالبان ضـد القوى التقليدية األكثر قوة، ولكن بأي ثمن؟ تـشـكـل حـالـتـي الـيـمـن وأفــغــان­ــســتــان الـيـوم مـن بـني أســوأ األزمـــات اإلنسانية املعروفة في العالم، بعد غزة مباشرة، وهما موطن ملــايــني الـــنـــا­زحـــني داخـــلـــ­يـــًا، والـــذيــ­ـن غـالـبـا مـا يعانون مـن الـجـوع والـحـرمـا­ن وتفشي األمراض. ففي عام ،2023 كان هناك حوالى 21.6 مليون يمني يحتاجون إلى شكل من أشـكـال املساعدة اإلنسانية السريعة، كما أكـــد تـقـريـر صـــادر عــن شبكة نـظـام اإلنـــذار املـبـكـر بـاملـجـاع­ـة ‪»FEWS NET«‬ أن اليمن ســيــظــل بـــحـــلـ­ــول أكــــتـــ­ـوبــــر/ تـــشـــري­ـــن األول 2024 الـدولـة األكـثـر احتياجًا للمساعدات اإلنسانية، مع استمرار تفاقم أزمة انعدام األمـــن الـغـذائـي دون أي بـــوادر تحسن. أما في أفغانستان، فخمسة وتسعون في املائة مـن الـنـاس ال يملكون طعاما كـافـيـا، 6.6و مايني شخص معرضون لخطر املجاعة، فــــي حــــني يـــعـــان­ـــي مـــلـــيـ­ــون طـــفـــل مــــن ســـوء الـتـغـذيـ­ة الـــحـــا­د، بـحـسـب تــقــاريـ­ـر الصليب األحمر الدولي. مــهــمــا كـــانـــت مـــواقـــ­فـــنـــا الـــســـي­ـــاســـيـ­ــة تــجــاه طهران وتـل أبيب، علينا أن نــدرك أن عـداء إيران إلسرائيل ليس من أجل فلسطني وال الفلسطينين­ي، وأن الصراع بينهما ناتج عن املنافسة على النفوذ واملصالح اإلقليمية، وعـــلـــي­ـــنـــا أن نـــــــرى فـــــي غــــيــــ­اب الــتــصــ­عــيــد والــحــرب الشاملة بينهما فـرصـة لشعوب املنطقة وليس العكس، وحدهم أعـداء هذه الشعوب من يتمنون هذه الحرب. وال بديل لنا عن متابعة الضغوط الشعبية املتزايدة (املــظــاه­ــرات، حـركـة املقاطعة االقـتـصـا­ديـة، جـمـعـيـات املـــســـ­انـــدة...)، ســــواء فــي املنطقة العربية أو فـي دول العالم الغربي، لوقف جـريـمـة حـــرب اإلبــــاد­ة الجماعية ضــد غـزة فــي أســــرع وقـــت مـمـكـن، ومــســانـ­ـدة الشعب الــفــلــ­ســطــيــن­ــي فـــــي نـــضـــال­ـــه لـــنـــيـ­ــل حــقــوقــ­ه واالعـــتـ­ــراف بـــدولـــ­ة فلسطينية كـمـا تنص عـلـيـه املـــواثـ­ــيـــق الـــدولــ­ـيـــة وقــــــرا­رات مجلس األمن.

أية حرب بين إيران وإسرائيل ستكون بمثابة كارثة إنسانية غير مسبوقة على شعوب المنطقة

ال تملك إيران حاليًا أية وسيلة لهزيمة إسرائيل المدعومة من أقوى الدول الغربية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar