Al Araby Al Jadeed

في الحديث عن المغارب... مساندًا عبد القادر الشاوي

- محمد سي بشير

قــــرأت، مــــرات، مــقــاالت الـكـاتـب األديــــب عبد الــــقـــ­ـادر الــــشـــ­ـاوي فـــي «الـــعـــر­بـــي الـــجـــد­يـــد»، وفـهـمـت مـنـهـا، لــإنــصــ­اف، أن املـغـاربـ­يـني، لـيـنـطـلـ­قـوا إلــــى املــســتـ­ـقــبــل، عـلـيـهـم تــجــاوز عـقـبـات الــلــغــ­ة، بــدايــة، ومـنـهـا عتبة عـبـارة املـــغـــ­رب الــعــربـ­ـي الــتــي أضــحــت ثـقـيـلـة على وعي املغاربيني وعقولهم، بسبب ما تلوكه األلــســن­ــة بــشــأن مـعـنـى الــعــبــ­ارة ودالالتـــ­هـــا، بـــدون فـهـم، فــي الــظــرف الـحـالـي العصيب. ولهذا اخترت أن أكتب عن مسائل حيوية يمكن أن تضيف إلى كامه وتسهل علينا تصور ذلك املستقبل بدون األخذ والرد في إشــكــاال­ت محسومة تـاريـخـيـ­ا، وال مناص مـــن الــتــفــ­كــيــر، بــــدال مـــن ذلــــك، فـــي تــحــديــ­ات املــســتـ­ـقــبــل، وكـــيـــف يــجــب أن تـــرفـــع بـصـفـة جـمـاعـيـة، لـلـنـجـاح فــي تــبــوء مـكـانـة أفضل وأكــبــر، فـي املنطقة وفــي الـعـالـم، وتجسيد مـشـروع الـعـروج الـحـضـاري، بتعبير مالك بن نبي، رحمه الله. تـأتـي هــذه املـقـالـة، إذن، فــي إطـــار توضيح بعض أمور ملتبسة في عقل ساكنة شمال أفـريـقـيـ­ا ووعــيــهـ­ـا، بــشــأن ثـــاث إشـكـالـيـ­ات حــــيــــ­ويــــة: الـــجـــغ­ـــرافـــي­ـــا والــــهــ­ــويــــة والــــتــ­ــراث املشترك الــذي تتصارع بشأنه، منذ فترة، قــنــوات مــن املــغــرب والــجــزا­ئـــــر، وطــــاول كـل شيء من الكسكسى إلى اللباس التقليدي مرورا بمسلمات جغرافية، رموز تاريخية وفضاءات هوياتية كانت، إلى أمس قريب، قـواسـم مشتركة، وال يمتد إليها الـشـك، ال من هؤالء وال من أولئك. لـنـنـطـلـ­ق، بـــدايـــ­ة، مــن الـجـغـراف­ـيـا إلقــــرار أن الـــدولــ­ـة الـوسـتـفـ­الـيـة الــتــي تــعــرف بـالـدولـة القومية أو الدولة األمة، من صنع متغيرات كـثـيـرة مـتـراكـمـ­ة، ولـهـا سـيـاقـات تــطــور في التاريخ عرفته كل الــدول، وليس منها من يمكنها االدعــــا­ء، الـيـوم، أنـهـا تكونت، منذ فجر التاريخ، بالحدود الحالية، وبمكونات الـــهـــو­يـــة ومــــا يــتــفــر­ع عــنــهــا بــالــشــ­كــل الـــذي يـــوجـــد لــديــهــ­ا، اآلن، وهــــي الـحـقـيـق­ـة الـتـي يجب أن ننطلق منها لبناء إدراكنا للدولة املــســتـ­ـقــلــة فـــي مـنـطـقـتـ­نـا، والـــتـــ­ي يــجــب أن نعترف بها، وأن ال نستخدم أيا من الحجج أو األسـبـاب لنزع قدسية هــذه الجغرافيا، ومــا يتعلق بها مـن حـــدود، حتى فـي أشـد حــاالت االخـتـاف أو التوتر السياسي في زمن األزمات والصراعات. نتحدث عـن الجغرافيا، هنا، ألن بعضهم يـسـتـغـل فــتــرة الــتــوتـ­ـر لـتـصـعـيـ­د إشــكــاال­ت

إعادة النظر في الحدود كما يتم استدعاء ســيــاقــ­اٍت مـاضـيـة لــم يـكـن ألحـــٍد مسؤولية فيما نجم عنها من رسم للحدود وتحديد للجغرافيا، كما ال يمكن استخدام التاريخ للمطالبة بما لم يكن، في املاضي، مطالبًا (بفتح الــام) بـه، على غـرار بعض املناطق املـــدعــ­ـى أنـــهـــا مـــن مــلــك دولــــة مـــا تـاريـخـيـ­ا، وتـــطـــل­ـــق عــلــيــه­ــا فـــي دســـتـــو­رهـــا بــالــحــ­دود الــــحـــ­ـقــــة، فــــي حــــني أنــــهـــ­ـا عـــنـــدم­ـــا اعـــتـــر­فـــت

بـــاســـت­ـــقـــال الـــــدول­ـــــة الـــتـــي تـــصـــار­عـــهـــا تـلـك املناطق تكون قد اعترفت بكل ما نتج من املاضي االستعماري. ومن ناحية أخـرى، و بخصوص منطقتنا املـــغـــ­اربـــيـــ­ة، هـــل يـمـكـن اســـتـــخ­ـــدام سـيـاقـات تاريخية تـحـركـت فيها الــحــدود، ورسـمـت فـيـهـا الــكــثــ­يــر مـــن الــجــغــ­رافــيــات للمطالبة بمناطق محددة أو استدعاء ذلـك التاريخ لــلــمــط­ــالــبــة بـــمـــا يـــحـــمـ­ــل مـــســـمـ­ــى الــــحـــ­ـدود الـحـقـة؟ عـرفـت منطقتنا، للعلم وإلسـكـات أبــــــــ­ـواق تـــســـمـ­ــي نــفــســه­ــا عـــلـــمـ­ــاء ودكــــاتـ­ـــرة فـــي الـــتـــا­ريـــخ، مـــن هــنــا وهـــنـــا­ك، فـــي عـهـود تــاريــخـ­ـيــة مـــاضـــي­ـــة، دوال تــــمــــ­ددت إلــــى مـا هو أبعد من الحدود الحالية، مثل الدولة املـريـنـي­ـة، الــزيــري­ــة، الـرسـتـمـ­يـة، إضــافــة إلـى مــثــال دولــتــي املــوحــد­يــن أو املــرابــ­طــني، من قــبــل، وغـــطـــت فـــضـــاء­ات املـنـطـقـ­ة بـأكـمـلـه­ـا، أقـل أو أكثر، بني عهد تاريخي وآخــر، فهل يمكن الرجوع إلـى تلك املراحل التاريخية لرسم حدود ما أو تسجيل مطالبات ما، بل واالدعـاء، من جهلة هذه الجهة أو تلك، من منطقتنا، بهذه الحقائق، ارتكازا على هذه السياقات بما اندثر في التاريخ وأضحى حكاية تحكى وماضبا طوته ُّّ السنون؟ هناك إشكالية الهوية التي نتوقف عندها لــلــنــظ­ــر بــعــني الــــعـــ­ـارف بـــتـــار­يـــخ واألعـــــ­ـراف والتقاليد ومكوناتهما فضا عن اللغات، اللهجات والـسـرد الهوياتي كله، للحديث عـــن صـــــراع مـــفـــرغ مـــن أي قـــصـــد، خـلـفـيـات كانت أو توجها حيث ال ندري الدافع وراء إثــــــار­ة مــســائــ­ل جــــرى حــســمــه­ــا مــنــذ قـــرون بــاالنــت­ــمــاء إلـــى دائــــرة حــضــاريـ­ـة ومـعـرفـيـ­ة واحــــدة واالنــصــ­هــار فــي تــجــارب تـاريـخـيـ­ة ذاتها، من دون إغفال املصاهرات واختاط املــجــتـ­ـمــعــات، لــتــصــن­ــع مـــنـــا أمـــــة واحــــــد­ة ال يـــمـــكـ­ــنـــهـــ­ا االخـــــت­ـــــاف عـــلـــى قــــشــــ­ور يـــعـــرف الـجـمـيـع أن مـثـيـراتـ­هـا جــهــات، إمـــا جاهلة ولها أهداف مشبوهة أو متاعبة بتوترات سـيـاسـيـة، لـتـوجـد بيئة مـغـايـرة ملسلمات أصبحت تمثل ذواتنا وال انفكاك لنا عنها ألبتة. هل يعقل أن نثير، بالنتيجة، إشكاالت خـــــاصــ­ـــة بــــاالنـ­ـــتــــمـ­ـــاء إلــــــى مـــنـــطـ­ــقـــة واحــــــد­ة أوجـــدتــ­ـهـــا كــيــمــي­ــاء الــجــغــ­رافــيــا والـــتـــ­اريـــخ، ومزجت بني مكونات ساكنة املنطقة، حتى ال تكاد تفرق بني الجزائري والتونسي أو بـــني الـــجـــز­ائـــري واملـــغــ­ـربـــي، عــلــى األصــعــد­ة كافة، حتى مع االعتراف بوجود مشكات سياسية فـي دائـــرة السياسة العليا تــدار من صانعي القرار في البلدان في املنطقة؟ نصل إلى إشكالية التراث املشترك املتفرع،

فـــــي الــــثـــ­ـقــــافــ­ــة واألنــــث­ــــروبـــ­ـولــــوجـ­ـــيــــا وعـــلـــم االجــــتـ­ـــمــــاع، مــــن الـــهـــو­يـــة الـــجـــا­مـــعـــة، حـيـث تــتــصــا­رع مــواقــع مـغـربـيـة وجــزائــر­يــة على مــن يملك سـبـق اخــتــراع حــلــويــ­ات، أطـبـاق، ألبسة رجالية ونسائية إضافة إلى أسماء األماكن، ومرورا بمسائل خاصة بالفن، في ضجيج أضحى غير مقبول، بل لعب أطفال حيث بلغ درجــة أضحكت وتضحك علينا العالم كما جرى في قضية الزليج أو الرسم (الـــشـــك­ـــل الـــهـــن­ـــدســـي) الـــــذي حــمــلــه قميص ريـــاضـــ­ي لـلـنـخـبـ­ة الــجــزائ­ــريــة لــكــرة الــقـــــ­دم، والــــذي وصـــل إلـــى حـــد إيــــداع شــكــوى لـدى شـركـة ريـاضـيـة عاملية (أديــــداس، مصممة القميص) تدعي أن املغرب صاحبة الرسم، في حني أنـه موجود منذ عهد العثمانيني فــي مـسـاجـد، حـمـامـات الـجـزائـر وبيوتها، من شرقها إلى غربها، منتقا إلى الغرب، حــيــنــا، وإلـــــى الــــشـــ­ـرق، أحـــيـــا­نـــًا أخــــــرى، في املـغـرب وتــونــس، مـن دون أن تثير املسألة كل هذا الضجيج أو الخاف. وكانت قضية الكسكسي ومـن يملك سبق اختراع مكوناته وتسميته بذلك االسم قد تمت تسويتها، باالتفاق بني بلدان املنطقة، بـــاعـــت­ـــبـــاره تــــراثــ­ــا ال مــــاديــ­ــا مــشــتــر­كــا لـــدى «الــيــونـ­ـســكــو». ولــكــن الــجــمــ­يــع، فـــي املــغــرب والجزائر، نسي تلك املرجعية في التعامل مع التراث املشترك لتصبح القضية مناكفة صـــبـــيـ­ــانـــيــ­ـة، حـــيـــث كـــــان يـــمـــكـ­ــن لــكــثــي­ــر مـن ذلـك الــتــراث، أيــا كانت طبيعته، أن يصبح عامليا باسم املنطقة، وليس محل منازعات تـلـوكـهـا ألـسـنـة صـانـعــي املــحــتـ­ـوى مـــن كــل حـدب وصــوب بعيدا عن الهوية الجامعة، وتـداعـيـا­ت ذلــك كله على املخيال الجمعي لـلـمـنـطـ­قـة الـــتـــي عـــاشـــت تــحــت نــيــر الــظــلــ­م االســتــع­ــمــاري واالســتــ­يــطــانــ­ي، وتــعــاون­ــت، على مر التاريخ، إلخراج األجنبي، ولكنها لــــــم تـــصـــنـ­ــع لـــنـــفـ­ــســـهـــ­ا فـــــــضـ­ــــــاء ات تــــعــــ­اون وتعايش حقيقيني. ربـــمـــا يـــاحـــظ قــــــارئ هـــــذه املـــقـــ­الـــة تــجــنــب كاتبها استخدام االسـم الجغرافي املعتاد للمنطقة، وهـــو املــغــرب الـعـربـي أو املـغـرب الكبير. ولـم يكن ذلـك عن غفلة بل تصميم مسبق، ألن ثمة من يستغل االسم الجغرافي ليقول إن املنطقة، بحدودها الحقة، يجب أن تعود إلـى ماضيها مـن التمدد املزعوم لـدولـة بعينها باستقطاع، زعـمـا، مناطق كثيرة مما يطلق عليه الصحراء الشرقية، مـدن ساحلية مـحـددة، إضافة إلـى مناطق شاسعة قد تغطي، إذا تتبعنا تلك املزاعم، املــنــطـ­ـقــة، وتــبــتــ­عــد بـــالـــح­ـــدود الــحــقــ­ة نحو الــــجـــ­ـنــــوب إلــــــى مـــوريـــ­تـــانـــي­ـــا غـــــربــ­ـــا، وإلـــــى الساحل في أقصى الجنوب، بل إلـى أبعد مـــن ذلــــك، لـــو قـــرأنـــ­ا الـخـريـطـ­ة الــتــي تـحـدث عنها بعضهم بأنها حدود تلك الدولة. ويمكن للقارئ الكريم أن يعود إلى عشرات مــن مـقـاالتـي فــي «الـعـربـي الـجـديـد» أو في غيرها من الصحف واملـجـات، كما يمكنه أن يعود إلى مداخاتي في وسائل اإلعام وفــــي املــلــتـ­ـقــيــات الــعــلــ­مــيــة، لــيــعــر­ف كـــم أنــا مهووس باملنطقـة وبوجوب سيرها نحو وحـدتـهـا. ولـذلـك لـن يستخدم اســم املغرب الـــعـــر­بـــي أو املــــغــ­ــرب الــكــبــ­يــر إال فــــي حــالــة تجسيد االتــحــا­د املـغـاربـ­ــي وإال، فـــإن اسـم املـغـارب، وفـق اقـتـراح عبد الـقـادر الشاوي، سيكون، دوما، االسم الذي سأطلقه غضبا، مـــن نـــاحـــي­ـــة، مـــن تــلــك اإلشــــكـ­ـــاالت الـــتـــي لـم نـعـرف كـيـف نعالجها بــهــدوء فيما بيننا ومن دون تدخل أو انخراط أي أجنبي عن املنطقة أيا كان. و من ناحية أخرى، إحقاقا للحق الذي أراه في أن الجغرافيا والهوية والتراث املشترك خـــــطـــ­ــوط حـــــمـــ­ــراء يــــجــــ­ب أال نــــنــــ­خــــرط فــي الــخــاف بشأنها لنبقي لـألجـيـال الـقـادمـة مــخــيــا­ال جمعيا يمكننا مــن الــبــنــ­اء عليه، عندما نقضي على املـشـكـات السياسية، من تجسيد حلمنا الكبير باتحاد مغاربي حقيقي تخلو فيه الـحـدود كلها، املوروثة والـــحـــ­قـــة، ونــعــيــ­ش، كــلــنــا، بــهــويــ­ة واحــــدة، مواطنني لدولة واحدة تحمل اسم منطقتنا املوحدة. ال يــمــكــن إنـــهـــا­ء املــقــال­ــة دون اإلشــــــ­ارة إلــى واجب التغيير الديمقراطي وإبعاد املنطقة عن االنخراط في التطبيع مع أعــداء األمـة، كـــمـــا يـــجـــب أن ال نــنــســى واجــــــب إخـــضـــا­ع مستعمر األمس لواجب االعتراف، االعتذار والـــتـــ­عـــويـــض عــــن الـــفـــت­ـــرة االســـتــ­ـعـــمـــا­ريـــة/ االســـتــ­ـيـــطـــا­نـــيـــة، وهــــــي شـــــــرو­ط تـــعـــيـ­ــد لـنـا مخيالناّ الجمعي، وتـذكــرنـ­ا بـــأن ذاكرتنا هي محفز القضاء عن التناول الصبياني لـــتـــلـ­ــك اإلشــــــ­كــــــاال­ت الــــتـــ­ـي تـــحـــدث­ـــنـــا عــنــهــا، الجغرافيا والهوية والتراث املشترك. نذكر أبناء املنطقة، فقط، بأن شباب بلداننا يــنــتــظ­ــرون عــمــا وحـــيـــا­ة كــريــمــ­ة ومـــســـا­را تشاركيا في فضاء اإلبداع العاملي، ومناط ذلك كله تجسيد ما تقدم من حلم الوحدة واالبــــت­ــــعــــا­د عــــن حـــــــرو­ب طــــواحــ­ــني الــــهـــ­ـواء الـتـي، لـلـذكـر، وهــي مسلمة، ال يمكن ألحد االختاف بشأنها، روايـة كتبها اإلسباني سرفانتيس عندما كان أسيرًا في الجزائر.

تتصارع مواقع مغربية وجزائرية على من يملك سبق اختراع حلويات، أطباق، ألبسة رجالية ونسائية إضافة إلى أسماء األماكن، ومرورًا بمسائل خاصة بالفن، في ضجيج أضحى غير مقبول

شباب بلداننا ينتظرون عمًال وحياة كريمة ومسارًا تشاركيًا في فضاء اإلبداع العالمي، ومناط ذلك كله تجسيد ما تقدم من حلم الوحدة واالبتعاد عن حروب طواحين الهواء

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar