يوسف الدموكي
تقف هذه الزاوية من خالل أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبين مالمح وانشغاالت الجيل العربي الجديد من الكتاب
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه األيام في ظل ما يجري من عدوان إبادٍة على غزة؟ أنظر إلى يدي بعيدا عن القلم، عما هما مـشـغـولـتـان بــه فــي ظـــل أيــــد كـثـيـرة على بعد مئات الكيلومترات تبحث عن لقمة أو تلقم رصــاصــة، عـن ذلــك العجز الـذي يــنــهــش عــــروقــــي، والـــحـــســـرة الـــتـــي تمأ األوردة، أســـأل نفسي بـصـدق عـمـا كنت سـأفـعـل لــو وجــــدت أي طــريــق؛ هــل كنت سأفضل الكتابة وصناعة شيء ما بتلك الحروف، أم كنت سـأدع القلم الرصاص جانبا ألعتمر الرصاص، وأحمل بدال من الكتاب بندقية وبدال من الدفتر مصحفا يكون «حجابي» في الجبهة؟ وأي جبهة كـنـت ســأفــضــل؛ تـلـك املنكفئة عـلـىُ نــص تكتبه عن حدث تراه، أم الجبهة األخرى الــتــي أصــنــع فـيـهـا الـــحـــدث بـنـفـسـي، من دون حاجة إلى حبر وال ممحاة؟
أجـــدهـــا تـلـغـي الـخـصـوصـيـات الــفــرديــة، والــــــتــــــجــــــارب الــــــذاتــــــيــــــة، والــــكــــتــــابــــة مــن منطلقات شخصية بحتة، الكتابة ألجل الكتابة، والتي تترجم الداخل اإلنساني الفريد لكل صاحب قلم، وبطبيعة الحال فــــإن بـعـض هـــذه الــتــجــارب ستحمل في مضمونها هموم اآلخـريـن، وقضاياهم، انـطـاقـا مــن إيـمـانـه بقضاياه هــو، دون نــــزع تــلــك الـــذاتـــيـــة مـــن نــفــســه، وتــحــويــل كتابته إلــى مــوضــوع، مــجــّرد، مـفـّرغ من بصمته الخاصة، كأننا نستأجر كتابا عـن مـوضـوع مـعـن، ال نترك لهم البراح الكافي ليصلوا إلـى ما يرونه هــم، نحن فــي أشـــد الـحـاجـة إلــى الكتابة بمعناها األســمــى، وشكلها األصـــلـــي، وصـورتـهـا األولى، دون تعميم وال عوملة، هذا حسب فــهــمــي ملـــفـــهـــوم ثــقــيــل بــحــجــم «الــكــتــابــة
بطاقة
كـــاتـــب وصـــحـــافـــي مـــصـــري، مـــن مــوالــيــد الجيزة عام .1997 صدرت له ثالثة كتب: «تنهيدة» ،)2019( و«رسائل سقطت من ســاعــي الــبــريــد» ،)2020( وروايـــــة «حـــذاء فادي» .)2023( الـــــجـــــديـــــدة»، غــــيــــر مـــــــــدع الـــتـــثـــاقـــف وال التحذلق.
■ هــل تشعر نفسك جـــزءًا مــن جيل أدبـــي له مالمحه؟ وما هي هذه املالمح؟ أجل،ربماهوجيلأدبي ا بعد، وإنما هو في طور التشكل، وربما نــــرى نــضــجــه خــــال الــعــقــديــن الــقــادمــن بمامح أكثر وضــوحــا، حينها ستكون التجاعيد قد خطت مامحها وملساتها فـــي وجـــوهـــهـــم، لــكــن أقـــامـــهـــم كـقـلـوبـهـم سـتـكـون فـــي ريـــعـــان شـبـابـهـا اإلبـــداعـــي، أبكر من األجيال السابقة، ألنهم رأوا من الحوادث، وعاشوا من التجارب، ودفعوا مـــن الــتــضــحــيــات، مـــا يـسـبـق الــســابــقــن،
ًً ولم يكن املنفى اختياريا لهم، وال نزهة اســـتـــجـــمـــامـــيـــة، وال مـــســـاحـــة شـــعـــوريـــة خالصة، وإنما خالطتها املادة، والسعي لـــلـــرزق، وكــــد الــعــمــل، كــــل ذلــــك يـــؤثـــر في منتوجهم األدبي تأخيرا وتسويفا، لكنه حن يخرج كاما للنور بمواليد مكتملة، سيكون بديعا، ومبهرا، كإبهار العهود األدبية املنصرمة، أو أكثر.
■ كيف هي عالقتك مع األجيال السابقة؟
غــبــطــة أن بــعــضــهــم نـــجـــا مـــمـــا نـعـيـشـه، وحسرة أن بعضهم تسبب في ما نعيشه بالفعل، وشفقة أن بعضهم دفـع الكثير حتى آخر نفس في حياته.
■ كيف تصف عالقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟ في بلدي قصفوا كل األشجار، ال بيئة، وال ثقافة، إال في صدور املثقفن والقراء، أو مـــلـــقـــاة بــــن األرصـــــفـــــة والـــســـجـــون، أمـــا «الــبــيــئــة الــثــقــافــيــة» املـــرضـــي عنها واملـــــــــروج لـــهـــا، تـــحـــت جـــنـــاح الــســلــطــة، فعاقتي بها تقزز واشمئزاز، وشعور عارم بالقرف.
■ كيف صدر كتابك األول؟ وكم كان عمرك؟
صــــــدر بـــتـــجـــمـــيـــع كــــتــــابــــات نـــاجـــمـــة عــن تجارب شخصية، وتنقيحها، وجمعها، فــــي كــــتــــاب واحـــــــد ســمــيــتــه «تـــنـــهـــيـــدة»، لكثرة األنفاس التي يزفرها قارئه خال قـراءتـه، حسبما أظــن. وكنت في الثانية والعشرين من عمري.
■ أين تنشر؟
حــالــيــا ال أنـــشـــر، ألن اســمــي مــمــنــوع من النشر في مصر منذ نحو ثاث سنوات،
أنفر من «البيئة الثقافية» المرّوج لها تحت جناح السلطة
وكان آخر عهدي بالنشر روايتي «حذاء فادي» في حزيران/ يونيو .2021
■ كيف تقرأ؟ وكيف تصف عالقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟ القراءة بن عفوية ومخططة في اختيار املـــوضـــوعـــات، لكنها اآلن عــاقــة مـعـقـدة النشغالي بأمور الحياة وطغيان ظروف املعيشة على مساحة الــقــراءة اليومية، لكني أحـــاول إصاحها بـن حـن وآخـر، وأتمنى لها أن تكون بخير قريبا إن شاء الله. ■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟
ال.
■ كيف تنظر إلى الترجمة؟ وهل لديك رغبة في أن تترجم أعمالك؟ بالتأكيد، ونظرتي إليها بأنها ضرورة كــالــســفــر بــالــنــســبــة لــلــبــشــريــة، لـــــواله ملا تناقلنا تلك الـتـجـارب وملــا عــرف بعض الــعــالــم، مــا يــــدور فــي بـعـضـه اآلخــــر، من تجارب وصراعات ورؤى.
■ ماذا تكتب اآلن؟ وما هو إصدارك القادم؟
خـــطـــرت لـــي فـــكـــرة قــبــل أيـــــام فـــقـــط، على طريق سفر، متعلق بقلبي وبغزة، ربما تـخـرج للنور فــي وقــت قـريـب بـــإذن الله، متخطية حواجز النشر والجغرافيا.