الزعماء والقيء
لــــم يـــكـــن يـــعـــانـــي ســـــوى مــــن مـشـكـلـتـن؛ األولـــــى أنــــه لـــم يـتـقـيـأ فـــي حــيــاتــه أبــــدا، والـــثـــانـــيـــة أنـــــه كـــــان مـــؤمـــنـــا بــالــزعــمــاء العرب. والـــــحـــــال أنـــهـــمـــا لــــم تـــكـــونـــا مـشـكـلـتـن بـــالـــنـــســـبـــة إلـــــيـــــه، بـــــل كــــــان يــعــتــبــرهــمــا أهـــــم حــســنــتــن، ألنــــه كــــان يـــكـــره الــقــيء أصــا، ويتمنى أل يمر بهذه التجربة، خصوصا عندما يرى اآلخرين يتقيأون أمامه، ويحمد الله أن مثل هذا الشيء لم يحدث معه حتى اآلن. أمــــــا بـــالـــنـــســـبـــة لـــــ»الــــحــــســــنــــة» الـــثـــانـــيـــة املتعلقة بـالـزعـمــاء الـــعـــرب، فــحــدث ول حـــــرج، إذ كــــان مــتــيــمــا بـــهـــم، ومــتــفــائــا بـأنـهـم سيصنعون الــتــاريــخ ذات يــوم، ول يــتــحــمــل أن يـــشـــكـــك أحـــــد بـــهـــم، بـل وأزيـــد مـن ذلــك، كـان موقنا أشــد اليقن أنهم وحدهم من سيحرر فلسطن عما قـــريـــب. وذهـــــب بـــه الـــحـــال حــــد أنــــه كــان يعلق صـورهـم جميعا فـي صـدر بيته، ول يفوته أن ينحني أمـام باقة الصور كلما مـــّر مــن أمـامـهـا، ويــوصــي الـخـادم الذي استعمله خصيصا لها أن يعتني بها، باعتبارها رمز األمة. غير أن هذا اليقن املزمن تغير فجأة بعد أحداث غزة، خصوصا عندما انتظر أن يتحّرك هؤلء الزعماء لنصرتها، فشعر بصدمة كبيرة، وبـــدأ يـراجـع يقينياته وثــوابــتــه الــتــي راحــــت تـتـخـلـخـل شيئا فـشـيــئــا، فـشـعـر بــأنــه خــســر «الـحـسـنـة» األولى. وكان يمكن أن يمضي كل شيء على ما يـــرام بــ»حـسـنـة» واحــــدة لـــول أنـــه خسر الـحـسـنـة الـثـانـيـة عـنـدمـا شـعـر بحاجة كبيرة للقيء.. وهو ما حدث. وعندما فعل، فوجئ بارتياح غريب لم يألفه من قبل.