قمة سعيّد وتبون والمنفي: الوقائع تكبح التطلعات
أسئلة كثيرة تطرح عن القمة الثالثية بين الرئيس التونسي قيس سعيد، ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي
تطرح القمة الثاثية التي جمعت الرئيس التونسي قيس سعيد، ونظيره الجزائري عبد املجيد تبون، ورئيس املجلس الرئاسي الليبي محمد املـنـفـي، أمـــس األول االثـنـن فـــي تـــونـــس، أســئــلــة كــثــيــرة عـــن خلفياتها الحقيقية وجــدواهــا وآفـاقـهـا، وتداعياتها املـمـكـنـة إقــلــيــمــيــًا، وانــعــكــاســاتــهــا عــلــى كل بلد. وهـذا اللقاء هو الثاني من نوعه بعد اجتماع أول عـقـد فـي الـجـزائـر فـي مــارس/ آذار املـــاضـــي، عــلــى هــامــش قــمــة الـــغـــاز، إذ كـــان الــقــادة الـثـاثـة قــد اتـفـقـوا وقـتـهـا على إجــــراء هـــذه االجــتــمــاعــات كــل ثــاثــة أشـهـر. االجتماع الثاثي أمس األول شمل ملفات عـديـدة، منها األمــن املشترك على الحدود، إلى الهجرة، والطاقة، وامللف الليبي، ولكنه يعقد من دون حضور مغربي وموريتاني، وهــو تـحـول الفــت فـي مسار مـا كــان يعرف
باتحاد املغرب العربي الكبير (تأسس في فـــبـــرايـــر/ شــبــاط 1989 فـــي مـــراكـــش) الـــذي لـــم يــكــتــب لـــه الـــنـــجـــاح، عــلــى الـــرغـــم مـــن كل املحاوالت على مدى العقود املاضية، ومن أسباب فشله الرئيسية الخاف الجزائري املغربي حول الصحراء وغيره من امللفات. ولم يشر اجتماع االثنن صراحة إلى توجه لتشكيل تكتل إقليمي جديد، ولكن من خال أبرز مخرجاته يبشر بذلك ويضع خطوطًا عريضة لــه، خصوصًا أن البيان الختامي يشير إلـى «صــوت موحد ومسموع للدول الثاث»، وكذلك إلى «حضور الفت وتفاعل في االنتماءات اإلقليمية والـدولـيـة». كذلك قال القادة الثاثة إنه «مع بروز مستجدات إقليمية وأزمـــات دولـيـة متاحقة، ال يمكن ألي دولــة أن تـواجـه تداعياتها بمفردها»، داعــن إلــى االهتمام بالجانب االقتصادي وعــــدم االقــتــصــار عــلــى الــجــانــب الـسـيـاسـي فقط في التشاور بينهم. ويعتبر الباحث في العاقات الدولية بشير الجويني، فـي حديث لـ«العربي الجديد»، أنه «في ظل الظروف الدولية املتقلبة بشكل عـــــام، وفــــي ظـــل االضــــطــــرابــــات فـــي املـنـطـقـة املغاربية في جنوب الصحراء واملتوسط، سـيـكـون مــن املــهــم، بــل ومـــن املـحـبـذ، تـــداول املــســائــل ذات االهــتــمــام املــشــتــرك فـــي إطـــار ثنائي أو ثاثي، فهذا اإلطـار أو هذا اللقاء بشكل مبدئي سـنـة حميدة ومطلوبة، ألن التشاور بن البلدان ذات الحدود املشتركة والتحديات املشتركة أمر ضروري». وعـن غياب املغرب وموريتانيا عن اللقاء،
يشير الجويني إلــى أن «البعض قـد يقول إن هـذا االجتماع موجه ضد طـرف أو ضد باقي أطـــراف االتـحـاد املـغـاربـي، واملقصود املغرب وموريتانيا، ولكن لم يصدر شيء يؤكد هذه التكهنات، وكل ما نأمله من هذا االجتماع أن يكون اجتماعًا مثمرًا ذا بعد استراتيجي عميق ال يتعلق فقط بمناكفات سياسية من هنا أو من هناك، وأن يرشح عــنــه مـــا يـنـفـع املـــواطـــنـــن فـــي هــــذه الــبــلــدان الــثــاثــة، ويـــقـــدم ولـــو خــطــوة بـسـيـطـة جــدًا فــي الحلم املـغـاربـي وفــي بـنـاء هــذا التكتل املغاربي املنشود». ويشدد على أنـه «على الرغم من مــرور كل هـذه السنوات ومـن كل العقبات املـوجـودة، الهيكلية واملوضوعية والدولية والظرفية اإلقليمية، إال أنه يبقى الـحـلـم املـنـشـود لـكـل املــغــاربــيــن، والسبيل األوحــــــــد واألمـــــثـــــل لـــلـــتـــصـــدي لـــلـــتـــهـــديـــدات الداخلية والخارجية». من جهته، يستبعد مؤسس مركز الدراسات االستراتيجية حول املغرب العربي عدنان مـنـصـر، فــي تـصـريـح لـــ«الــعــربــي الـجـديــد»، أن «يـــــكـــــون لــــهــــذا الــــلــــقــــاء أي انـــعـــكـــاســـات
عدنان منصر: االقتصادات المغاربية ذات اندماج ضعيف جدًا
استراتيجية خارج منطقة املغرب العربي، ســــــواء تــعــلــق األمــــــر بـــــأوروبـــــا أو بـمـنـطـقـة جـــنـــوب الــــصــــحــــراء»، مــضــيــفــًا: «األمـــــــر فـي اعـــتـــقـــادي ال يـــعـــدو أن يـــكـــون أحــــد مـظـاهـر التوتر في املنطقة، خصوصًا التوتر القديم واملتصاعد بن الجزائر واملغرب». وعن االستفادة االقتصادية املمكنة لبلدان تلتقي حـول حـدود مشتركة، يقول منصر: «فـعـلـيـًا، وفـــي الـسـيـاق الــحــالــي، يصعب أن تكون لهذا املحور خطط تكامل اقتصادي أو مجرد زيادة معتبرة في حجم املبادالت، ألن هــيـكـلــة االقــــتــــصــــادات الـــثـــاثـــة وغــيــاب اإلرادة الفعلية، يمثان عوائق موضوعية أمـام هذا الهدف». وعن إمكانية تطور هذا التكتل واستمراره مستقبا، يشدد منصر عـلـى أنـــه «حــتــى يـنـجـح تـكـتـل مـــا، يـجـب أن تسنده كثير مـن الـعـوامـل املـوضـوعـيـة، أي يجب أن يكون بناؤه ضرورة موضوعية»، مضيفًا: «عمليًا، إن االقتصادات املغاربية ذات اندماج ضعيف جدًا، وحجم املبادالت البينية مــتــدن جـــدًا، واألقــســى مــن ذلـــك أنـه منذ إحداث االتحاد املغاربي قبل 35 عامًا، لم تتغير األمـور بتاتًا». ويتابع: «هـذا يدل عــلــى أن الـــذيـــن حــكــمــوا الـــبـــلـــدان الـخـمـسـة عجزوا عن وضع تصور يحقق االندماج أو حتى تحسينه، وعجزوا عن تحقيقه. معنى ذلك أنهم لم يروا ضرورة له، فبقي االتحاد املغاربي هيكا بيروقراطيًا با فائدة، بل إن قيادات الــدول الخمس عجزت حتى عن تنظيم قمة مغاربية منذ قمة التأسيس قبل ثاثة عقود ونصف».