Al Araby Al Jadeed

مشكلتنا الكبرى المقبلة مع الهند

- مروان قبالن

يتجه نحو مليار هندي إلــى صناديق االقــتــر­اع على مــدى األسـابـيـ­ع الستة املقبلة الختيار برملان وحكومة جديدة في املركز والـواليـا­ت، في أكبر عملية انتخاب في العالم. ويتوقع أن يفوز في هذه االنتخابات حزب بهاراتا جاناتا القومي الهندوسي الذي يحكم البالد منذ عام 2014 بقيادة رئيس الوزراء نارندا مودي، الذي تبنى على مدى السنوات العشر املاضية سياساٍت أخـذت الهند بعيدا عن القيم الديمقراطي­ة داخــلــيـ­ـا وسـيـاسـات­ـهـا املــنــاص­ــرة لـحـقـوق الــشــعــ­وب املـضـطـهـ­دة خــارجــيـ­ـا. وتخشى منظمات حقوقية عاملية من أن يحول مودي الهند من «أكبر ديمقراطية في العالم» إلى ديكتاتورية مضطربة نتيجة محاوالته إنشاء دولة قومية للهندوس فيها. وامللفت أن الهند صارت تطارد معارضيها خارج الحدود وتقتلهم، كما حصل العام املاضي مع أحد الناشطني «السيخ» الذي جرى اغتياله في كندا، ما أدى إلى أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بني البلدين. وتجري االنتخابات حاليا في أجــواء غير مسبوقة من القمع واإلرهـــا­ب، حيث يقبع عـديـدون من زعماء املعارضة، بمن فيهم شخصيات من حزب املؤتمر، التاريخي الذي قاد البالد بزعامة املهاتما غاندي نحو االستقالل، في السجون. ويتعرض املسلمون، وعددهم نحو 220 مليونًا %15( من السكان) خصوصًا، لحمالت ترهيب منظمة تقوم بها تنظيمات ومليشيات هندوسية متطرفة. خارجيًا، أخــذت الهند تتالقى مع القوى األخــرى املعادية لـإلسـالم، وليس فقط تـــيـــار­ات اإلســـــا­لم الــســيــ­اســي، بــزعــم أنـــه ديــــن يـشـجـع عـلـى الــتــطــ­رف واإلرهــــ­ـاب، وفــي مقدمة هــذه الـقـوى إسرائيل (ودول عربية أيـضـًا، للمفارقة). وتعد الهند الـيـوم حليف إسرائيل الرئيس فـي املنطقة فـي الـحـرب املزعومة ضـد «اإلرهـــاب اإلسالمي». ورغم عدم صحة األنباء عن وجود متطوعني هندوس يقاتلون في صفوف الجيش اإلسرائيلي في غزة، إال أن الهند كانت مصدرًا ألكبر موجة عداء للشعب الفلسطيني، ومناصرة إسرائيل، على وسائل التواصل االجتماعي، غداة عملية طوفان األقصى (هناك 85 ألـف يهودي من أصــول هندية في إسرائيل، وبالتأكيد شارك بعضهم في حرب غزة). وكان مودي أول زعيم دولة أجنبية يبرق إلى نتنياهو في السابع من أكتوبر/ تشرين األول ،2023 معربًا «عن دعمه إسرائيل في هذه األوقات الصعبة». ولم يكن في هذا ابتعاد عن املوقف الهندي التقليدي من القضية الفلسطينية، بل يتناقض أيضًا مع موقف الجنوب العاملي منها، حيث امتنعت الهند عن التصويت لصالح قـرار يدعو إلــى وقــف إطـــالق الـنـار فـي غـــزة فـي الجمعية العامة لـأمـم املتحدة فـي 31 أكتوبر 2023 (املفارقة أن الهند كانت الدولة الوحيدة غير العربية التي صوتت ضد انضمام إسرائيل إلى األمـم املتحدة عام 1948 وصوتت لصالح االعتراف بمنظمة التحرير ممثال شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني عام .)1975 فيما دعا قـادة آخــرون في حزب بهاراتا جاناتا إسرائيل إلى «عدم إبداء الرحمة» في حربها على غزة، وسعى بعضهم إلــى الـربـط بـني مـا تواجهه إسـرائـيـل فـي فلسطني ومــا تواجهه الهند في كشمير، وفي معركتها مع تنظيمات إسالمية تسعى إلى استقالل اإلقليم عن الهند وتوحيده مع الشطر الباكستاني. امللفت أن موقف الهنود الذين نشأوا في الغرب

ّّ وتبوأوا مناصب رفيعة فيه ال يقل سوءًا على هذا الصعيد (خذ مثال رئيس وزراء بريطانيا ريتشي سوناك، واملرشحة الرئاسية في الواليات املتحدة نيكي هيلي). ورغم أن لنا مشكالت مع قوى كثيرة في العالم (الصني، روسيا، الواليات املتحدة... إلخ)، إال أن الهند، ولظروف تاريخية وثقافية ال يتسع املجال لذكرها، سوف تشكل على األرجــح التحدي األكبر الـذي يواجهنا في املستقبل. يحدث هـذا فيما تتحول الهند إلى الشريك االقتصادي األكبر لبعض دول الخليج العربية، وتطمح بمساعدتها للحلول محل الصني «مصنعًا للعالم»، عبر إنشاء الكوريدور االقتصادي الهندي - الشرق أوسطي - األوروبي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar