Al-Watan (Saudi)

الذبح جريمة وليس خطأ

-

حين يخرج أحد اللاعبين عن خطة الهجوم أو الدفاع في مباراة رياضية نستطيع أن نقول "خطأ فردي" فما الناتج هنا؟ خسارة المباراة؟ فليكن ... إنها ليست خسارة أرواح! حين يصرح أحد أفراد فريق دبلوماسي ما بعكس رؤية الدولة التي ينتمي إليها نستطيع أن نقول "خطأ فردي" فما الخسارة هنا؟ إحراج للدولة ولكنها تستطيع أن تسارع بالنفي، وبالطبع هنا لن يكون أي خسارة للأرواح! فهل أعلن الحرب ونسف دولا؟ بالطبع لا مجرد كلمات تُجرد من تأثيرها فور صدورها! إن الخطأ الفردي يقبل حين يقع في دائرة النوايا الحسنة، أي أن فاعله أراد به خيرا ولم يتم له ذلك أو جانبه الصواب في اختياره، ولكن حين يتم ذبح طفل، كيف يمكن أن نتقبل تبريرا على أنه كان خطأ فرديا؟!

لقد صدم العالم من همجية إرهابيين من تنظيم "نور الدين الزنكي" المعارض للنظام السوري، بعد أن تابع مشهد ذبح الطفل عبدالله عيسى، اللاجئ الفلسطيني الذي تم خطفه من مستوصف في مخيم حندارت للاجئين الفلسطينيي­ن! طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره يبدو عليه الفقر بملابس رثة، يتهم بأنه يقاتل مع النظام ويجر ويعذب ثم يذبح بكل برود أعصاب! خطأ فردي؟! من الذي خطفه؟ من الذي عذبه؟ من الذي صوره؟ من الذي ذبحه؟ من الذي كبر وهلل؟ ومن الذي نشر المقطع متباهيا بإنجازه؟ كلهم فرد واحد؟! لننسى إذن الحساب والجبر والهندسة فلدينا عباقرة فاقوا أينشتاين في الذكاء! ولنفرد لهم البساط الأحمر ونفتح لهم المجال لكي يعيدوا تعليمنا بل تعليم أبنائنا من بعدنا!

خطأ؟! أنا أقول لكم أين الخطأ! الخطأ أنهم كانوا أغبياء ونشروا مقطع همجيتهم! الخطأ أنهم أحرجوا داعميهم وجماعتهم! الخطأ أنهم بينوا أن عملية الذبح لديهم ليست بجديدة، بل نفذت بكل مهنية وكأن منفذها يذبح دجاجة! من يقوم بمثل هذا الفعل الهمجي دون أي تردد وبكل أريحية، يسانده من حوله بالتشجيع مكبرين ومهللين، لا يدل أبدا على أنه كان يريد خيرا، والمسكين فجأة تحمس ووقع تحت تأثير مشاعر الغضب فلم يعي ما كان يفعله! أما من كان حوله والظاهر أنهم فجعوا من الموقف بل ربما لم يتوقعوا ما كان سيفعله رفيقهم فكان التكبير والتهليل ردة فعل بريئة منهم، فلم يكن بيد أي منهم أن يردعه أو يوقفه، معهم حق "إخوة الشياطين" فلقد شلهم الموقف! أما الذي صور والذي نشر فيما بعد كان في حالة ذهول أو ربما كان "جني" ما قد تلبسه فهو لم يكن هو حينها وإلا على الأقل لما كان صور أو نشر دليل إدانة مجموعة بأكملها لكي يرى العالم بأكمله ويشهد على همجيتها! نعم إنه بالتأكيد خطأ الجني الذي صوّر له بأن العالم سيصفق ويحمله على الأكتاف ومن يعلم فقد تُقدم له العروض ليتجه إلى هوليوود ويوما ما يفوز بالأوسكار في مجال الإخراج أو التصوير!

خطأ؟! يا لفرحة الطفل الذي فصل رأسه عن جسده! فعلا الآن يستطيع أن يستريح في قبره بعد أن علم أن ما حصل له كان مجرد "خطأ" وليس هذا فقط بل فردي أيضا! فمن خطفه ومن حاكمه ومن عذبه ومن صوره ومن نشر مشهد ذبحه.... كلهم فقط شخص واحد أخطأ وبهذا فهو بريء كبراءة الذئب من دم يوسف!

من يريد أن يجد الأعذار لمثل هؤلاء القتلة سيتقبل مثل هكذا تبرير! ولكن لمن لا تنطلي عليه حيل التلاعب بالمفاهيم والكلمات يجب ألا يكون هذا الفعل المشين مفاجأة بل ليتوقع المزيد! ليترك كل المقاطع البشعة التي تم نشرها عنهم وعن غيرهم، وليركز فقط على ما يظهره هذا المقطع بالذات من أن ما تم القيام به ليس بجديد أو حالة منفردة، وأن ما تم القيام به أمر عادي ومكرر!

خطأ فردي؟! حتى إن تم محاكمة الإرهابي الذي ذبح أو محاكمة كل من شارك بالمشهد، هذا لن يقضي على الفكر الذي خرج منه هذا التصرف الهمجي! فعندما تستأصل تفاحة فاسدة فإنك بالطبع لم تستأصل الأسباب التي أدت بهذه التفاحة إلى أن تفسد! تفاحة! عذرا فهذا "خطأ فردي" مني باختيار التشبيه! حقا فإن تم محاكمتهم فلن يتم ذلك إلا إرضاءً للرأي العام والعالمي تحديدا! وبماذا سيحكم عليهم؟ الإبعاد والتجريد من الرتب! أم ربما السجن المؤبد! وفي أي سجن؟ أم سيتم تدويرهم بين السجون حسب المناطق التي يتنقلون فيها! أو قد يكون الإعدام! المهم هنا بالنسبة لهم ولمن يقف وراءهم أن محاكمة ستجرى حتى يلتقط الخيط مؤيديهم ومن ثم يتم التعتيم والتغطية عن جرائم أخرى بالطبع، هذه المرة لن يتم نشرها أو تداولها، فلقد انتهى درس الأغبياء وكان ثمنه غاليا! وتستمر مسرحية الذئاب البريئة التي لا ترتكب جرائم بل "أخطاء فردية"! بالطبع ستكون هنالك محاكمة وسيحكمون بنفس العدالة التي يحاكمون بها أعداءهم! نعم ستكون هنالك محاكمة ولكن لكسب الوقت ليس إلا، إلى أن يحدث شيء ما في صالحهم، ويتحول تركيز الرأي العام إلى أي اتجاه وكل اتجاه إلاّ نحوهم!

إن شماعة الخطأ الفردي لم تعد تنطلي إلا على من يريد أن يصدق! وحيث إنه ما زال هنالك من يريد أن يصدق فلننتظر المزيد من الهمجية! فالشماعات على ما يبدو ما زال فيها مساحات وتتحمل، وبما أن ناقوس الخطر قد أصابه الصدأ فلندق مسامير في النعوش وأخرى على الشماعات!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia