Al-Watan (Saudi)

إيران تستغل السودان لتعبر بالتشيع من البوابة الشرقية إلى إفريقيا ( (2-1

- د. معتصم صديق

لم تقتصر محاولات إيــران على تصدير ثورتها إلى المحيط القريب منها، بل ذهبت بعيداً، وحاولت زرع أفــكار أيديولوجيت­ها وتصديــر ثورتها إلى القــارة الإفريقية، مولية هذه الأخيرة أهمية كبرى، منطلقة من زيارة افتتاحية للسودان عام 1991، ليمتد نشاطها شاملاً دولاً عدة منها جنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيــا وزيمبابوي وأوغنــدا ونيجيريا والنيجر والكاميرون والسنغال وجزر القمر والصومال وجيبوتي وغانا. كانت إفريقيا ضمن أجندة كل من تعاقب على الرئاســة في إيران، فبعد زيارة رفســنجاني للسودان، التي أردفها بزيارة أخرى في 1996، جاءت زيارات محمد خاتمي لعدد من الدول الإفريقية، التي أعطَت دفعة جديدة للعَلاقات مع هذه الدول من خلال تأســيس أطُر ولجان مشتركة ألقى على عاتقها مهمة متابعة الاتفاقيات بين إيران وهذه الدول، وبعده محمــود أحمدي نجاد الذي أجــرى عدة زيارات لإفريقيا اتســمت بطابع أيديولوجــ­ي في أغلبها، مروراً بالرئيس الحالي حسن روحاني الذي أوفد وزير خارجيته محمد جواد ظريف في عدد من الزيارات لشرق إفريقيا في شتاء 2014، وزيارة أخرى إلى دول شمال إفريقيا في صيف 2015، إضافــة إلى جولته الأخيرة في دول غرب إفريقيــا في يوليو 2016، ولعل هذه الزيارات المتعاقبة تعكس رغبة النظام الإيراني في المضي قُدُماً في توطيد علاقاته مع أكبر عدد من الدول الإفريقية. ظهرت هذه الزيارات المتعاقبة للمســؤولي­ن الإيرانيين في شــكل لجان مشــتركة بين هذه الدول وإيران، وأسفرت عن معاهدات ثنائية واتفاقيات في مجالات إنشــاء السدود وصناعة الســيارات والطاقة والشؤون المالية والمصرفية، إضافة إلى التعاون الثقــافي والتعليمي، كما قدمت إيران وعــوداً اقتصادية جاذبة اضطرت مــن خلالها كثير من الدول الإفريقية إلى تقديم تنازلات في ملفات إســتراتيج­ية وأمنية. بعد وصول عمر البشــير إلى الحكم في 30 يونيو 1989، شهدت العلاقات السودانية الإيرانية تقارُباً كبيراً، وصل إلى حد التحالف الإســترات­يجي في كثير من الملفات، وقد أثارت هذه العلاقة اهتمام العالــم العربي عموماً، ودول الخليج على وجه الخصوص. توجت علاقات البلدين بتبادل الزيارات بين الرؤساء، فزار الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني السودان عامَي 1991 و1996، كما زار محمد خاتمي الخرطوم في 2006 ضمن جولة إفريقية، ثم جاءت زيارة محمود أحمدي نجاد إلى الخرطوم في عامي 2008 و2011. أما الرئيس السُّــوداني فقد ســجل هو الآخــر عدداً من الزيارات لإيران، بداية بزيارته الأولى سنة 1997 للمشاركة في قمة المؤتمر الإسلامي، ثم زيارته الثانية سنة 2006. كانت إيران -ولا تزال- ترى أن الســودان يمثل مدخلاً إلى الدول الإفريقية والعربية، وكان المسؤولون الإيرانيون دائماً ما يؤكدون في تصريحاتهم عن السودان أنه بوابة تصدير الثورة، إذ وصف وزير الدفاع الإيراني الســابق مصطفى محمد نجاد، السودان بأنه "حجر الزاوية في الإستراتيج­ية الإيرانية بالقارة الإفريقية". ورغم تَعــارُض المرجعية الفقهيــة والتاريخية للبلدين، اضطرت الحكومة السُّــودانية إلى التعاطي ببراجماتية في سياســتها الخارجية تجاه إيران، وذلك بسبب حاجتها إلى العون العسكري والسياسي والمالي. لذا فإن العامل الحقيقي الذي فرض على السُّــودان آنذاك التعامــل مع إيران كان الاســتهدا­ف الخارجي المتمثل في الضغوط الأميركية والأوروبية على حكومة البشير، إذ كان النظام السوداني يرى أن إيران تمثل طوق نجاة له في ظل الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليه، بعد إدراج السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، واتهامه بدعم الحركات الراديكالي­ة ومحاولــة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك عام 1995 في أديس أبابا. وبســبب الحرب الأهلية التي يشــهدها السودان، سعت حكومة البشير للاستفادة من الخبرات العسكرية الإيرانية، بدلاً من التقيد باســتخدام الســلاح الروسي، فضلاً عن طموحه إلى الاستفادة من الدعم الإيراني في تخفيف وطأة الديون الخارجية، لكن لاحقاً أصبحت الديون الســوداني­ة لإيران أكبر وسيلة تستغلها طهران للضغط على الخرطوم في سبيل تحقيق أهدافها فيه. وظلت هذه الديون تشــكل عَقبة كبــيرة أمام قيام علاقة اقتصادية أكبر، إذ تعسر السودان في دفع الديون، وحاول جدولتها وســدادها، إلا أن طهران ظلت تشترط دفع هذه الديون قبل تنفيذ أي مشروعات جديدة.

ويرجع الانفتاح الإيراني عــلى إفريقيا إلى فترة الرئيس الأسبق هاشمي رفســنجاني، الذي أوَلى القارة السمراء اهتماماً كبيراً، بعد زيارته السودان عام 1991، أي بعد عامين من إطاحة عمر البشير بحكومة الصادق المهدي.

ومثلَت زيارة رفسنجاني للسودان دعماً كبيراً لحكومة البشــير التي كانــت تعيش حالة أشــبه بالعزلة جراء الحصار الذي يفرضه عليها المجتمع الدولي.

وبالنســبة إلى إيران، فقد كانت هــذه الزيارة إيذاناً بعصر جديد في علاقاتها مع إفريقيا، ونقطة انطلاق لتوسيع دائرة اهتمامها بهذه القارة. اختلفت دوافع النظام الإيراني من وراء التغلغل في إفريقيا من بلد إلى آخر، بين اقتصادية وسياسية ودينية، ولتحقيق أهدافه في هذه القارة كان لا بد له من البحث عن مناطق إستراتيجية ينطلق من خلالها ويستخدمها مساراً رئيسياًَ لبلوغ الأهداف المنشودة، فكان التركيز على السُّودان ونيجيريا بشكل واضح، وذلك لما يتمتَّع به هذان البلدان من ميزات قلّ أن توجد في بقية دول المنطقة. وكان لهــذا الانفتاح والتركيز الإيراني الكبير على السُّــودان ونَيجِيريا، أثر ســلبي على النسيج الاجتماعي والثقافي لهاتين الدولتين، كما انعكس ســلباً على عَلاقة السُّــودان بمحيطة العربي، لذا فإن السؤال الأســاسي لهذه الدراسة هو: ما أهم أسباب ودوافع الوجود الإيراني في السُّودان ونَيجِيريا؟ دوافع التركيز الإيراني على السُّودان ونَيجِيريا - بسبب الموقع الجيو-ســتراتيجي الذي يتمتَّع به السُّودان أوَْلَت إيران هــذا البلد أهمية كبيرة، لأنه يقع في الفناء الخلفي للعالَم العربي، وفي الوقت نفسه يُعتبر السودان البوابة الشرقية لإفريقيا، لذا سعت إيران لتجعل منه منطلقا لنفوذها على بقية الدول الإفريقية. - إيران والسُّودان يقفان في مربع واحد في مواجهة الضغوط الأميركية. - بعد انتصار ما يسمى "ثورة الإنقاذ" في 1989 ومجيء عمر البشير إلى سُدَّة الحكم، تَكشَّف للعالم التوجُّه الإسلامي للنظام الجديد في السودان، فبادرت إيران إلى احتوائه ودعمه باعتباره نظاماً إســلامياً مماثلًا لها في الطرح رغم اختلاف المذاهب، لهذا السبب وجدت إيران في نظام عمر البشير الحليف العربي الوحيد الذي يشاطرها الرؤى الأيديولوج­ية. - أما نَيجِيريا فتكتســب أهمية خاصة في عَلاقات إيران بدول غرب إفريقيا، فنَيجِيريا بها كثافة ســكانية عالية، وأكثر من نصف سكانها من المســلمين، كما تتمتع بأهمية إستراتيجية واقتصادية باعتبارها من أهمّ الدُّوَل المنتجة للنِّفْط في القارة. - في نَيجِيريا مناصرون للنظــام الإيراني ومتعاطفون معه، فضلًا عن وجود آلاف الشِّيعَة الذين تَأثََّروا بحركة التشيُّع التي تَبَنَّتْها إيران بعد انتصار الثورة. تفترض هذه الدراسة أن نشر المَذْهَب الشِّيعِيّ من أهمّ الأهداف التي تسعى إيران لتحقيقها في السُّودان ونَيجِيريا.

 ??  ?? السودان نيجيريا
السودان نيجيريا

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia