Al-Watan (Saudi)

إسرائيل معزولة جيو-سياسيا وتسعى لفك عزلتها، أعادت علاقاتها مع تركيا وتحركت في منطقة الشرق الإفريقي، وهي تعي أن دورها الوظيفي لأميركا يتراجع، وعليه فإنها تسعى لبناء دور وظيفي آخر مع دول المنطقة

-

مع الوقت، وعليه فإنها تسعى لبناء دور وظيفي آخر مع دول المنطقة، وبالذات الدول الخليجية، كونها الأكثر استقرارا في المنطقة. عزلة إسرائيل قائمة وستظل، بسبب استمرارها في الاحتلال وإعراضها عن السلام، ولكن المسألة الفلسطينية بالنسبة لها تأخذ بعدا مغايرا عما يراه العرب. السلام مع الفلسطينيي­ن لم يعد مطلبا استراتيجيا لإسرائيل، فحالة اللا سلم واللا حرب القائمة لا تضرهم، بل ترفع عن كاهلهم عبء المضي في التزامات أي عملية سلام، وفي المقابل فإن تكاليف ونظم أمن المعلومات الإسرائيلي­ة لدول مثل الهند وروسيا.

من هذا المنطلق فإن إسرائيل تريد أن تجعل من السلام مع الفلسطينيي­ن تحصيلا لتفاهماتها مع الدول العربية (الخليجية تحديدا)، وليس نقطة انطلاق لها، بمعنى أن ثمن السلام بالنسبة لإسرائيل مرتفع بصيغته الحالية، وليس هناك ما يحفزها على تحملها في ظل كون الخيارات الأخرى أقل تكلفة. في المقابل ترى إسرائيل أنه يمكن لها تحمل تكلفة سلام دائم مع الفلسطينيي­ن إذا ضمنت أنها وصلت إلى تحالف استراتيجي واقتصادي في المنطقة، وهنا تأتي تطلعاتها لدول الخليج. من هذا المنطلق تتضح الأسباب خلف التسويق الإسرائيلي المستمر لمسألة تحالفها مع دول الخليج، ومنها مثلا ما نشر بعد توقيع اتفاقية إعادة جزيرتي تيران وصنافير من أنه تم التنسيق مع إسرائيل وأخذ موافقتها، وواقع الأمر أن وضع إسرائيل الجيوسياسي في المنطقة لا يسمح لها بالاعتراض من الأساس على مثل هذه الاتفاقية، فهي محصورة جيو-سياسيا بما يجعلها غير قادرة على أن تخسر مصر بثقلها أو المملكة التي تتطلع لها على أنها الجائزة الكبرى كحليف، ومن ثم فإنه ومن سخرية القدر بعد كل ما خاضته من حروب وما استثمرته في قوتها العسكرية أن تجد إسرائيل نفسها في موقف لا تستطيع فيه الدخول في حرب كبرى أخرى، ولا قادرة على أن توظف قوتها بأبعد من مجرد دور وظيفي كمقاول لبعض الدول في المنطقة، وهو دور لم تصل إليه بعد، وإنما تسعى إليه. لقد دار الزمن دورته، ومثلما فرضت الجغرافيا السياسية على الدويلات الصليبية في فلسطين قديما أن تنحصر إلى أن تزول أو يبتلعها محيطها، فنفس الأمر تفرضه الجغرافيا السياسية على إسرائيل، وهنا نقطة القوة التي لا نزال غير واعين لها، إما بالاستمرار في اجترار الخطابات القديمة بخصوص إسرائيل أو بعدم توليد رؤية جيو-سياسية سليمة نحوها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia