Al-Watan (Saudi)

الانتصار الفاشل

-

الانتصار للذات، ولذات قريبة على حساب قضية أيا كانت: ثقافية، سياسية، اجتماعية، يعتبر انتصارا فاشلا بكل المقاييس، فالمنتصر فيها يشعر بنشوة النصر اللحظية التي سرعان ما تتحول إلى نقطة ضعف تزيحه عن دائرة الوعي. والقضايا الثقافية تحديدا هي المعيار الحقيقي لتقييم المثقف وتصنيفه، إما أن يكون من أولئك الذين لهم مبدأ ثابت لا يحيدون عنه مهما كانت الدوافع والأسباب، أو أن يكون من الصنف الذي يدير دفة المبدأ حيث مصلحته اليوم هنا، وغدا هناك، وهذا الصنف لا ميثاق له ولا يؤتمن على الكلمة الحق. في الأسابيع الماضية، شهدنا عدة قضايا أثيرت عبر وسائل الإعلام الحديث، تحول فيها النقاش من اختلاف إلى خلاف خارج عن دائرة الانضباط، مثلا، اسمان كبيران يختلفان حول موضوع ما، تتحول حساباتهما في "تويتر"، إلى حلبة لصراع لم أجد له اسما دقيقا يصفه حق وصفه، وليت الأمر توقف على الأستاذين الكبيرين، لكن تخطى إلى المتابعين لينقسموا إلى فريقين، والناس يسيرون خلف الأسماء الكبيرة فقط، لمجرد أن اسمه مسبوق بحرف فخم، وهذا ما يعيب ثقافتنا، ويضعها في خانة التبعية. يخطئ الدكتور الفلاني، ويتجاوز الناقد الفلاني، ونسير خلفهما مطبلين، حتى فقدنا هيبتنا وقدرتنا على أن يتخذ كل شخص منا المسافة نفسها من الجميع، لا يتجاوزها بخطوة من أجل اسم دون آخر، وهذا هو من تبقى له قيمته وحضوره. ليس مهما أن أكون صاحب قضية ورأي على حساب الآخرين وبأي طريقة كانت، فأنا شخصيا أفضل أن أبقى نكرة، وأنا على المسافة نفسها عن كل الناس، على أن أسير خطوة إلى الإمام برفقة حشد من المطبلين وصانعي الأسماء القافزة، لأن صناعة الذات الناقدة والقارئة والحاضرة بقوة وبجدارة، ليست في الكمّ القرائي والبحثي، ولا في عدد الأصوات التي تهتف عند كل المواقف في أي منبر. أن أصنع لي ذاتا قوية حديدية لا تصدأ مهما اعتراها من عوامل، إذ علي ألا أنتصر لقضيتي الشخصية الخاصة، وأوظف كل ما حولي أفرادا وقضايا للاستماتة من أجل أن أنتصر على الآخر، وأن أتنحى عن الدوائر الجدلية التي تربك وتسبب الصداع بلا جدوى، ولا نقطة نهاية لها، وأن أخرج منها وأتخذ لي خطا مستقيما محددا واضحا أعرف جهاته ونهايته. فالمثقف، هو إنسان له مدة صلاحية قد تمتد وتستمر حتى بعد وفاته، وقد تنتهي بدفنها معه، وقد تنتهي بعد أي موقف له في الدنيا، فاختاروا لأسمائكم مدة الصلاحية التي ترون أنها الأنسب.

للتواصل أرسل SMS إلى: 815139 جوال 615665 موبايلي – 716262 زين بها رقم 291 ثم مسافة ثم رسالتك

kfa@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia