Al-Watan (Saudi)

علي سعد الموسى

ضمير متصل معالي الوزير: لا تكفي التضحية بالخمس

-

لا يمكن لي أبداً، وفي هذا الصباح بالتحديد، أن أهرب إلى الأمام بالكتابة عن شعر ابن زريق البغدادي من العصور الوسطى أو عن مناظرة هيلاري مع ترامب ليلة ما قبل البارحة. يقول لي أحد الأصدقاء الخلص: هل ستعتذر عن الكتابة صبح الأربعاء كي تتحاشى عقبة السقوط الجماهيري بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة؟ قلت له باختصار: لا يمكن لليلة واحدة أن تهز شعرة واحدة من أفضال هذا الوطن على شخصي الذي عاش مع وطنه مرفوع الرأس لخمسين سنة. وحتى لو غبت "هذا الصباح" وهذا ما لم أفعله، فسيكون التبرير فقط لإعطاء نفسي الفرصة كي تقرأ التفاصيل وردة الفعل، والمساحة هنا تسمح بالقول بعبارة واضحة أنني كنت أتمنى لو تم تسويق هذه القرارات إلى الشعب الكريم قبل صدورها بفترة كافية تسمح بتخفيف الصدمة. أما قول صاحبي، آنف الذكر، عن برجوازيتي التي لا تعرف معاناة العامة فالجواب القصير أنني شخصياً خسرت البارحة 8700 ريال من إيداع فجر الخامس والعشرين من كل شهر، والسبب الأصلي الجوهري لم يكن في صلب هذه القرارات الأخيرة فحسب، بل في المعالجات القديمة الخاطئة التي لم تقرأ وتستوعب ركاكة وهشاشة وفقر السلم الوظيفي لأساتذة الجامعة، فلجأت إلى الحبوب المسكنة والعقاقير المخدرة حتى أستيقظ بضعة آلاف منهم ما قبل البارحة وقد عادوا إلى المربع القديم الأول. وأنا لن أكتب اليوم بروح النقابة التي لا تشاهد إلا ما يمسها تحت ضغط الولاء الوظيفي. دمي وحتى حياتي ونفسي تسبق راتبي بآلاف الأميال عندما تكون المقاربة والمقارنة ما بين الوطن وبين الوظيفة. هذه مقاربة بليدة وقد قلتها من قبل أن الوطن الذي أحياني حراً كريماً آمناً هو الوحيد على هذه الأرض الذي يستحق، ووحده فقط، أن أموت من أجله. عشت قبل فقاعة "البدلات" المتبخرة على ما يقرب من نصف إيداع المرحوم "آخر شهر"، ومع هذا سأقول فيما يلي بعض جمل الحق القوية: أستطيع كمواطن أن أعيش على الخير الوفير الموجود ولله الحمد إذا ما استطاعت الوزارة المختصة أن تضبط لي ولو حتى سعر الدجاجة. لكننا يا معالي الوزير نشد الحزام على دجاجة تضاءل وزنها إلى النصف وزاد سعرها إلى الضعف. أنا لا أتحدث عن مجرد الدجاجة. نستطيع عبور المرحلة إذا استطاعت وزارة الصحة أن تتقشف في كل شيء دون أن تمس ركنين جوهريين: حقوق الطبيب وكفاءته وجودة التموين الطبي والصرف المضاعف عليه، حتى لا نعود إلى مربع شراء المواطن لحبة البنادول. نستطيع أن نهدي أولادنا أروع عام تعليمي، وبالتقشف وأقل الأثمان ولكن إذا تخلصنا بشجاعة من كل حشف وسوء كيل في الحصص والمواد والمنهج. أستطيع كمواطن أن أعيش بكفاءة استهلاك أفضل في ظرف اقتصادي أقل إذا ما استطاعت معايير الجودة والمقاييس أن توقف أسواقنا من كوارث "جبل علي" الإماراتي التي تجبرني على تغيير المكيف المنزلي في العام مرتين وزيارة أسواق الأحذية خمس مرات في نفس العام. أنا لا أتحدث عن مجرد حذاء ومكيف. أستطيع العيش على المتوفر إن استطاعت الوزارات المعنية تفكيك كارتيل العمالة الوافدة التي تتوزع وتحتكر أنواع الأسواق بحسب الجنسية، حتى أصبحت كل سلعة ومهنة تدار بعقلية الكانتون المغلق. أصبح استقدام عاملة منزلية ضعف مهر فتاة رغم أن الخسارة الوحيدة هي قيمة التذكرة. والخلاصة أن هواجس المواطن أكبر من اختصارها في شوارد أمثلة. وفي عهد الحزم والإصلاح والعزم لن نكتفي من معالي الوزير بشراكة التضحية بخمس الراتب والمزايا مع المواطن البسيط بل في العمل المضاعف الذي يلامس حياته ويتلمس فيها ما يمكن له شد الحزام وما لا يمكن أبداً شده.

للتواصل أرسل SMS إلى: 815139 جوال – 615665 موبايلي – 716262 زين بها رقم 100 ثم مسافة ثم رسالتك

almosa@alwatan.com.sa

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia