Al-Watan (Saudi)

سأشعر بالفخر بتربيتي لو ترك ابني أو ابنتي الكرسي لمن هم أكثر حاجة، لكني لن أقول لابنتي أنت أحق بالكرسي لأنك أنثى، فالأنوثة ليست إعاقة، وتصحيح السلوكيات يبدأ أولا بتصحيح الصورة الذهنية للجنسين

-

للأمانة، وقفت على متن هذه الحافلة من قبل، وأعرف أن الوقوف فيها ليس الشعور الأفضل في العالم، لكن فرحة الوصول دائما تنسي مصاعب الرحلة.

مبدئيا، لا أجد ضررا في وقوف أي إنسان مكتمل الصحة، بغض النظر عن كونه ذكرا أو أنثى. سيكون من الرائع بلا شك أن يعرض البشر مقاعدهم على غيرهم من باب الإيثار، لكن لو لم يحدث هذا فلن ألومهم، لأن المجتمع يخضع لحزمة من التوصيات تجعل اللطف بين الجنسين تهمة يخاف فيها المهذب من ردة فعل الطرف الآخر.

نعم، يخاف معظم الشباب في مجتمعنا من أن تفهمه السيدة أو من يرافقها بشكل خاطئ، وتخاف السيدات كذلك من إساءة الظن أو سوء الأدب.

ولهذا، قلة فقط تلتزم بالسلوكيات المهذبة في التعامل الإنساني، هربا من سوء الظن، فلا تجد مثلا من يقف لآخر في حافلاتنا المحدودة، أو من يبادر إلى إمساك الباب لمن يتبعه في الدخول أو الخروج لمكان عام، أو من يحمل حقيبة لآخر في سلم الطائرة، أو من يتقدَم غيره عند دخول المصعد الخالي أو يقدِمه عليه في المصعد المزدحم، بل قد يبخل بعضهم بالتهنئة أو الثناء أو السلام وردّ السلام كي يسلمَ "الشرف الرفيع من الأذى".

للأسف، إساءة الظن حاضرة في المشهد، والمنطقي أن نبدأ بحل هذا الخلل من بيوتنا قبل أن نلوم الجيران، إذا علّمنا أطفالنا الهدف من هذه السلوكيات المهذبة، واعتادوا رؤيتها من والديهم، سيكتسبونها بشكل تلقائي، ويقومون بها، وتتم إشاعتها بشكل فعّال جدا.

التغيير الفعّال دائما يبدأ بنا، في دوائرنا الصغيرة، ثم ينتشر إلى أن يصبح جزءا من الدائرة الأكبر، ويتماهى مع المجتمع، ويصبح هو السمة السائدة.

ينبغي كذلك استحضار قاعدة مهمة من قواعد الحياة، وهي المحافظة على بساطتها قدر الإمكان، ومحاولة تقويم ما نراه بأنفسنا، كما نرفع الأذى عن الطريق، ماذا لو التفتت الأخت منى إلى أحد الجالسين حولها وقالت: "هل تسمح لي بمقعدك؟"

على الأغلب سيعرض أكثرية الجالسين مقاعدهم، وسيتعلم البقية درسا مجانيا في الذوق العام، فشبابنا فيهم خير كثير، ورميهم بالسيئ من الصفات والتعميمات يكشف أولا عيوب تربيتنا لهم، وما نغذيه فيهم من قيم، كما أن الصورة ناقصة والحكمُ غير منصفٍ، لأنها لم تجرّب أن تطلب المقعد من شاغليه الذين ربما يكون لهم عذر لا نعرفه!

ناهيك عن أن التعميم في السلوكيات الإنسانية غير موضوعي، سلبا كان أو إيجابا، فلا يوجد خيرٌ محض ولا شرٌ محض.

خلاصة القول، مثل أي أم سأشعر بالفخر بتربيتي لو ترك ابني أو ابنتي الكرسي لمن هم أكثر حاجة، لكنّي لن أقول لابنتي أنت أحق بالكرسي لأنك أنثى، فالأنوثة ليست إعاقة، وتصحيح السلوكيات يبدأ أولا بتصحيح الصورة الذهنية للجنسين في المجتمع، فلا ضعف مطلقا ولا قوة مطلقة.

لنعلمهم أن السلوكيات المهذبة والذوق العام واجب على الجميع، بغضّ النظر عن النوع.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia