Al-Watan (Saudi)

علينا ألا نتفاءل لهزيمة داعش في الموصل

-

عندما كان زعيم داعش أبوبكر البغدادي يحكم مناطق واسعة بكثافة سكانية تتجاوز 6 ملايين نسمة عام 2014، كان ذلك حلما للمتطرفين وتحقق لمدة عامين، أما الآن فيتجه هذا الحلم إلى كابوس وسيتبدد قريبا، وذلك بالتزامن مع تقدم القوات العراقية لخنق آخر معقل للتنظيم في الموصل، ولم يكن هذا التقدم ليحصل في الأعوام الماضية، عندما كانت العاصمة بغداد تشعر بالرعب من قرب وصول عناصر التنظيم إليها، الأمر الذي دفع بالعديد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة إلى الهرب والتوجه نحو أقرب رحلات طيران.

بعد عامين من تلك الفترة العصيبة، بدأ مقاتلو داعش الآن يفرون بين الأزقة والشوارع في الأحياء المتبقية لهم من الموصل، وذلك على الرغم من أن المعارك من المرجح أنها ستستمر لفترة طويلة بسبب تعنت الدواعش وتحصنهم داخل الأبنية السكنية والمدنيين، إلا أن هزيمة التنظيم المتشدد أمر لا مفر منه.

يعتبر هذا التراجع في إمكانيات التنظيم قدحاً في الطموحات التي كانت لدى العناصر حينما ظنوا أن انتصاراتهم التي تحققت حينها، جاءت بسبب وقوف الإله إلى جانبهم، باعتبار أن أعدادهم كانت لا تتجاوز بضعة آلاف مقابل 60 ألف جندي عراقي حكومي.

إن الخيارات أمام داعش أصبحت شبه معدومة، حتى لو استمر في السيطرة على بعض الأراضي العراقية والسورية، وذلك بسبب قلة المقاتلين لديه وتضاؤل الأسلحة التي اغتنمها من الجيش العراقي، وأصبحت أحلامه سرابا بعد أن امتدت حدود دولته المزعومة من إيران شرقا وسواحل المتوسط غربا. وبعد هذه الهزائم المتلاحقة يبقى عائق كبير أمام داعش، وهو أنه يقاتل مجموعة واسعة من الأعداء المحيطين به، والذين أجبروا على إنشاء تحالف دولي لقتاله على الرغم من اختلاف المصالح الإستراتيج­ية بينهم.

إن مرحلة ما بعد هزيمة داعش ستتمخض عنها صراعات أخرى، أهمها الصراع بين حكومة بغداد وإقليم كردستان الذي يطالب بالاستقلال منذ أمد بعيد، في وقت تتهم فيه بغداد مسؤولي الأخير، باستغلالهم أحداث داعش عام 2014، والتحرك إزاء مشاريع انفصالية لأراضيهم عن الأراضي العربية.

أما في سورية، فالوضع معقد أكثر من العراق، حيث إنه يوجد 3 جهات تتصارع فيما بينها، وهي حكومة النظام السوري والفصائل الكردية وقوات الجيش التركي الداعم لفصائل المعارضة السورية المسلحة، وقد تكون هناك بوادر لاندلاع حرب بين الأكراد والأتراك، بعد أن سيطرت قوات الأخيرة على مدينة الباب الحدودية أخيراً.

وفيما يتبقى آخر معقل لداعش في سورية وهي مدينة الرقة، إلا أنه يبقى السؤال حول القوات التي ستتولى مهمة تطهيرها، في وقت مايزال موقف الإدارة الأميركية الجديدة غامضا، حول دعم الأكراد واستكمال ما بدأه أوباما معهم، أو قطع الإمدادات وتحويلها إلى القوات التركية وتطهير المدينة بقوات عربية، وهل سيلجأ الأكراد إلى التحالف مع الأسد وروسيا مقابل تخلي واشنطن عنهم؟

إن انتهاء المعركة ضد داعش هو من يجيب عن كل تلك الأسئلة، فيما يجب التركيز على هزيمة التنظيم فكريا إلى جانب الهزيمة العسكرية، حيث إن الخلايا النائمة التي يمتلكها في تركيا وأوروبا وبقية دول العالم، ستبقى مهددة للأمن والسلم الدوليين. -متخصص في شؤون الشرق الأوسط

-صحيفة »إندبندنت« البريطانية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia