Al-Watan (Saudi)

قنديل أم هاشم ومثقف سعودي

عزة السبيعي

-

لا أحد يعرف كيف أصبح إسماعيل أملًا، ليس فقط لأهله الذين باعوا أثاث بيتهم وأجبروا الأخ الأكبر ليوقف تعليمه ليساعد والده في نفقات الحلم المنتهي بالشهادة الكبيرة، بل حتى أبناء حي السيدة زينب ظنوا أنَّهم شركاء في الفخر، فغدًا يعود الدكتور إسماعيل من ألمانيا ويعالجهم من كل الأمراض وبالمجان. لكن عندما عاد إسماعيل كان أول مرض شخصه هو خلو البيت من أثاثه ومقدار جهل إخوته وزيت قنديل أم هاشم الذي تسبب في عمى حبيبته فاطمة. قرر إسماعيل تحطيم القنديل المعلق قرب جثمان السيدة زينب معتقدا أنَّه لو فعل سيحطم الجهل في قلوب أهله وأهل حيه، لكن المؤمنين بما يكفر به سارعوا إلى ضربه؛ كيف يحطم مصدر راحتهم وبركتهم، الزيت الذي ينقط من شموع تنير القبر على صاحبته السلام. في وسط العاصفة صاح صوت إنه إسماعيل »ابن حتتنا«؛ لتقف العيون تتأمل أملها وقد أصبح دامي الوجه من ضرب وركلات أرجلهم. هل هذا إسماعيل القادم من بلاد برَّة بالشهادة الكبيرة الذي فاخروا به كل الأحياء الأخرى وتفاخروا بأنَّه سيعود ومعه العلم المعرفة؟! قرروا أن ينفضوا عنه ويتركونه يمضي يحاسب نفسه ويبحث عن الخطأ. لا يترك وجه فاطمة إسماعيل أبداً، وفاطمة في الرواية هي مصر، والنور في عينيها هو العلم؛ لذا تعيده من جديد إلى حيه وأهله. رواية قنديل أم هاشم ليحيى حقي تصف بدقة تلك المعاناة التي يتقاسمها المثقف ومجتمعه، خاصة عندما يعتقد المثقف أن المكانة التي وصل إليها بعد بالعلم والقراءة وربما الشهادة؛ تعطيه الحق في جلد مجتمعه حتى يتخلص من كل ما يظنه المثقف أسباب التأخر والجهل، بينما تتبدل فرحة المجتمع بابنه المثقف إلى غضب مكتوم بما يظنه طعنة خيانة في الظهر. في الرواية يجد إسماعيل بعد وحدةٍ وحزن وتأمل مفتاح إطفاء هذا الصراع، ويوقن أن تعليمه وثقافته يجعلان الخطأ والملامة عليه وليس على المجتمع؛ فيتوقف عن النظر إلى العيوب، ويبدأ بفاطمة نحو النور، ويفتح عيادته لهم، ليس فقط لتطبيب عيونهم، بل قلوبهم مذكرا لهم بأنَّه »ابن حتتهم.« لا أعرف متى يجد بعض المثقفين السعوديين زر إنهاء الصراع مع مجتمعه فيضغط عليه منهيا هذا الصراع. الصراع الذي نراه في تويتر ووسائل التواصل كانعكاس لما تحويه الروايات والقصائد والمقالات والكتب بل حتى الأندية الأدبية والمحاضرات؛ إن قراءة كتاب أو تعلم شيء يقابله واجب تجاه من حولك، وهذا الواجب لا تستطيع أداءه وأنت ترسل قبله رسالة كراهية واشمئزاز مغلفة بعبارات مثل ثقافة القطيع، مجتمع منافق، دواعش. ولا يمنحك إجازة مرور لهذه الشتائم اعتبار الشتيمة تشملك فكثيرون وأكثر مما تتصور يظنون أنفسهم أفضل منك لكنك كنت محظوظًا وصرت روائيٍّا أو شاعرًا أو حتى كاتبَ مقالٍ. في الرواية يعالج إسماعيل أبناء حي السيدة زينب بجنيه واحد، ويضع العلم والحقيقة في قالب يظنونه يقبل جهلهم وقدسيته؛ لكنه في كل مرة كان يأخذهم خطوة أبعد عن هذا الجهل المقدس. ربما لسنا كلنا في براعة وعظمة بطل يحي حقي لكن المحاولة دائما فكرة جيدة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia