Al-Watan (Saudi)

دروس الزيارة للشرق الآسيوي البراعة في خسارة أصدقاء العالم الإسلامي

الحب الثلاثي الذي نجده في دول الملايو المسلمة التي شملتها زيارة خادم الحرمين الشريفين لكل من ماليزيا وإندونيسيا وبروناي، هو حب للسعودية وأهلها وللغة العربية، يقابله في أذهان الكثير منا حب ثلاثي من نوع مختلف

-

في جاكرتا كانت هناك مفاجأتان غير متوقعتين لكثير من أعضاء الوفد السعودي ممن لم يسبق لهم زيارة إندونيسيا، الأولى هي هذه النهضة الكبيرة في العاصمة من حيث الأبراج الكثيرة، وجمال المدينة الخضراء، والتوسع السريع لاقتصاد رابع أكبر دولة في العالم سكانا، في الوقت الذي لا نرى فيه إلا أنه بلد يصدّر الشغّالات والسائقين للفقر والحاجة، وكأني بإندونيسيا ستعود إلى ذلك البلد الغني الذي أدركنا في صغرنا حين كان الناس ينظرون إلى مطوفي الإندونيسي­ين من شيوخ الجاوه على أنهم أوفر الناس حظا في التعامل مع الحجاج الميسورين، مع أن العاصمة ليست هي كل إندونيسيا، ففي الوقت الذي يتوقع فيه ارتفاع مشاركة الطاقة المتجددة فيها إلى 23%، ما زالت هناك جزر ومناطق تعتمد على المولدات اعتمادا كاملا.

الأمر الآخر، هو الحب للسعودية لكونها بلاد الحرمين، وللسعوديين بشكل يصل إلى درجة الشغف، وللغة العربية إلى جانب لغتهم بهاسا واللهجات المحلية. لمسنا ذلك في كل الأماكن التي تقاطعت حواراتنا فيها معهم: في جامعة إندونيسيا الحكومية، وجامعة MSU الأهلية، والجامعة الإسلامية العالمية، ولقائنا بأعضاء هيئة التدريس والطلاب والطالبات، وفي مراكز البحوث والدراسات والمصانع ومحطات القطار والحافلات والأسواق والشوارع.

الحب الثلاثي الذي نجده في دول الملايو المسلمة التي شملتها زيارة خادم الحرمين الشريفين لكل من ماليزيا وإندونيسيا وبروناي، هو حب للسعودية وأهلها وللغة العربية، يقابله في أذهان الكثير منا حب ثلاثي من نوع مختلف، شهر عسل للمتزوجين وسياحة عائلية في ماليزيا، ومورد للشغالات والسائقين في إندونيسيا، ومحطة للزواج السريع والرخيص لطالبي اللذة من المشايخ والعامة.

زيارة الملك سلمان لدول الملايو الإسلامية تعد نقطة تحول في إعادة اكتشاف العمق الإسلامي الآسيوي للسعودية تحديدا، بعد سنوات من التجاهل وسوء التخطيط، والتصرف الذي يجعلنا لا نستثمر هذا الحب الثلاثي فحسب، بل نخسر هذا البعد الذي تحتاجه المملكة من إندونيسيا الرسمية والشعبية، إلى جانب المجالات الاقتصادية والاستثمار­ية والسياسية وغيرها، وحتى لا يكون هذا نوعا من الكلام العاطفي سأورد موقفا على سبيل المثال البسيط من أمثلة كثيرة معروفة: في إندونيسيا عدة جمعيات إسلامية، أكبرها جمعيتان هما نهضة العلماء وعدد أتباعها -حسب قولهم- 100 مليون، وبحسب أرقام منافسيها يبلغون 40 مليونا، والجمعية المحمدية في المرتبة الثانية وأتباعها 30 مليونا وتملك 177 جامعة في البلاد.

المؤلم في الأمر أن الجمعية الأكبر وهي نهضة العلماء يقف رئيسها الدكتور سعيد عقيل ضد السعودية وينبطح لإيران، والمؤلم أكثر أنه درس البكالوريو­س والماجستير والدكتوراه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ضمن برنامج المنح السعودي، والأشد إيلاما أنه تحول إلى إيران بسبب نقاش حاد في بيت السفير السعودي بجاكرتا قبل عشرة أعوام، اعتبره إهانة وكتب مقالة في صحيفة إندونيسية عنوانها »أهنت في بيت السفير السعودي«، والقصة أنه دار نقاش حول الفرق الإسلامية والمذاهب وعن الوهابية، فانبرى أحد أعضاء السفارة بالهجوم عليه والدفاع عن السعودية، وسانده شخص آخر في السفارة، وعدو عاقل خير من صديق جاهل، ومع أن السفير لم يشارك في الهجوم إلا أن سعيد عقيل عزّ عليه أن يقف السفير موقفا سلبيا ولم يتدخل وهو ضيف في بيته، ومثل هذه المواقف تتكرر كثيرا من بعض ممثلياتنا في الخارج، ونخسر بسببها كثيرا، ولعلي أسرد لاحقا بعض هذه المواقف التي حضرت بعضها واشتهر بعضها الآخر.

وكالعادة تم تجاهل الموضوع بدل احتوائه، ودخل في الخط الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد عندما زار إندونيسيا وسعى للالتقاء بالرجل في بيته، وتحول الرجل واتخذ الموقف العدائي ضدنا ولم نحرك ساكنا، إلى أن جاءت هذه الزيارة السلمانية، والتقاه الملك ضمن العلماء، ليعطي درسا للسفارة والخارجية في كيفية تناول مثل هذه الأمور.

علينا أن نعيد تفكيرنا أو تعاملنا في العلاقات الدولية بنفس رؤية 2030، فنحن قد جربنا البعوث الدعوية للبلدان الإسلامية التي استنزفت وقتا طويلا من الانتدابات والاعتمادا­ت المالية، وأثمرت دون شك عن فوائد جمة، ولكن صاحبتها نماذج من زواجات طائرة في جبل بونشاك، وممارسات مخجلة يقدمها أفراد وشخصيات عامة من بلاد الحرمين، كما أثمرت عن خلافات عقدية ومذهبية في أمور ليست من نواقض الإيمان، وإنما هي مذاهب وأمور دينية اختلف فيها العلماء، كالموقف من الصوفية التي تغلغلت في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي، ويريد بعض الدعاة أن يقوم بعملية غسل دماغ سريعة ليتحول بعدها إلى المذهب الحنبلي، ثم نغضب حين يصفوننا بالوهابية أو يقرنون التشدد بالوهابية، وجهلوا أو تجاهلوا أن عددا غير يسير من علماء الحنابلة يتمسكون ويفاخرون بطرقهم الصوفية، ويكفي أن نطلع على كتب طبقات الحنابلة للعليمي وابن رجب وابن أبي يعلى وابن حميد النجدي، وغيرهم، حتى نخفف كثيرا من غلوائنا.

وأرى أن علينا أن نسارع في استخدام قوة أخرى هي قوة اللغة العربية وحبهم لها، لتكون هي الجسر الرابط بيننا وبينهم، حيث تحولت الكتابة من الحروف العربية إلى اللاتينية في بهاسا إندونيسيا والملايو، لكنها احتفظت بالحروف العربية في بروناي، وبقي الشغف الكبير للغة العربية لديهم، وأرى أيضا أن تشكل لجنة عليا من وزارات التعليم والشؤون الإسلامية والخارجية وغيرها، لوضع مشروع للغة العربية في تلك البلاد، فالشؤون الإسلامية كانت مختصة بالجانب الدعوي، والتعليم من خلال الجامعات وبرامج تعليم العربية للناطقين بغيرها ومنح الطلاب، والخارجية من خلال ممثلياتها تصبح جزءا من المشروع الكبير ولا تستأثر إحداها بالمهمة التي أثبتت الأيام أنها دون الطموح كثيرا، ولها آثار جانبية سيئة، وأهمية هذا المشروع أنه يتوجه إلى جميع أفراد المجتمع وليس الجانب الشرعي فقط، وحب اللغة العربية يمتد إلى المهندس والعالم الفيزيائي والإداري وغيرهم، ومن خلال اللغة تنتشر الثقافة العربية والإسلامية، ولنا شواهد حية في اللغة الإنجليزية والفرنسية والإسبانية وتأثيرها الثقافي، ولتكن هذه البرامج من خلال الحكومة نفسها، حتى لا ندخل في تجارب الجمعيات والهيئات والمنظمات السابقة التي عانينا من آثارها دوليا، وأنا على ثقة من خلال من التقينا بهم أن كثيرا من تمويل هذا المشروع سيأتي من المتحمسين من تلك البلاد ممن لمسنا منهم شعورا متحمسا متى ما لمسوا جدية المشروع واطمأنوا له.

وصحيح أننا تأخرنا كثيرا وأخطأنا كثيرا ونمنا وأدلج الآخرون، لكن بوجود هذا الحب الثلاثي سنحرق المسافات، ونختصر الزمن، إن عملنا في هذا الجانب وفق الرؤية التي نسير عليها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia