Al-Watan (Saudi)

بوتين يثأر للسوفييت في أفغانستان

-

ربما يلحظ المراقب أن روسيا أصبحت في حالة انحدار اقتصادي وديموجرافي، إلا أن الناحية الإستراتيج­ية لاتزال تتصاعد لديها، وتستعيد دورها الغائب منذ سنوات عبر تطبيق برنامج كبير لإعادة التسليح الذي سيمكنها من الاستمرار في توسيع نفوذها العالمي، ولا يمكن لأفغانستان أن تكون في معزل عن هذا النفوذ. إن الحرب ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في القرن الماضي، أضعفت بشكل كبير الاقتصاد الوطني للاتحاد، وقوضت الدولة الشيوعية، الأمر الذي لايزال في مخيلة الروس حتى اللحظة، وأصبحوا يوطدون تحركاتهم كلاعب رئيس في الشؤون الأفغانية، في وقت أصبحت فيه القوات الأميركية والناتو متورطتين بشكل كبير في المستنقع الأفغاني، ليفاجئ الكرملين الكثيرين باحتضان حركة طالبان المتشددة. ولقد كانت روسيا تنظر منذ فترة طويلة إلى هذه القوة لدى الحركة كتهديد إرهابي كبير بين عامي 2009 و2015، حيث كانت موسكو عبارة عن ممر تزويد حيوي للقوات التي تقودها واشنطن وتقاتل طالبان في أفغانستان، وحتى إنها أسهمت بمروحيات عسكرية في هذا التحرك. إن التحول الروسي فيما يتعلق بطالبان أفغانستان يعكس إستراتيجية أكبر مرتبطة بتصادمها مع الولايات المتحدة الأميركية وحليفاتها في أوروبا، حيث تفاقم هذا التصادم بشكل كبير منذ أن أدى قرار روسيا ضم شبه جزيرة القرم سنة 2014 إلى قيام واشنطن وأوروبا بفرض عقوبات اقتصادية مشددة عليها، إلا أنه في واقع الأمر أصبحت روسيا تتبادل الأدوار مع الولايات المتحدة في أفغانستان. اليوم تعيد موسكو نفس النهج الذي لعبته واشنطن في الثمانينات، حيث دعمت الأخيرة الجماعات الأفغانية المتطرفة لقتال السوفييت والتي أفرزت فيما بعد حركة طالبان وتنظيم القاعدة، فيما تسعى موسكو حاليا لتوسيع تعاونها مع حركة طالبان حتى تستمر في قتالها ضد الحكومة الأفغانية غير المستقرة المدعومة أميركيا، في وقت يسعى فيه المتطرفون إلى القبول بأي مساعدات لقتال وطرد الأميركان من أراضيهم. إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسعى بشكل عام إلى توسيع رقعة الشطرنج الجيوسياسي­ة، من أجل أن يحظى بنفوذ كاف في مواجهة الولايات المتحدة والناتو، لإرضاخهم على إجراء تنازلات فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية الخانقة، حيث يرى بوتين أن بلاده عندما تصبح لاعبا رئيسيا في أفغانستان، فإن واشنطن ستلجأ للاستعانة به من أجل تخليص نفسها من الحرب هناك، فيما تتوافق هذه الإستراتيج­ية الروسية مع نفس الأحداث السورية، بعد أن جعلت موسكو نفسها شريكا حيويا لا يمكن التغافل عنه للقضاء على داعش. وكان الكرملين قد وجه رسالة صريحة إلى الولايات المتحدة، بأن مسالة تزويد الثوار السوريين بصواريخ مضادة للطائرات، سيجبر روسيا على فعل نفس الشيء مع حركة طالبان، وبالتالي فسيغير هذا التسليح من قواعد اللعبة في أفغانستان، في وقت تسيطر فيه طالبان على أراض أكثر من أي وقت مضى منذ الإطاحة بها عام .2001 إن الولايات المتحدة هي من فتح على نفسها الباب لإستراتيجي­ة روسيا في أفغانستان، وذلك بعد سماح الرئيس باراك أوباما في إطار سعيه للتوصل إلى اتفاقية سلام مع طالبان بفتح بعثة دبلوماسية لها في قطر، كما قام بمبادلة 5 من كبار قادة طالبان الذين كانوا في سجن جوانتنامو برقيب في الجيش الأمريكي محتجز لدى الحركة، مما يعني أن أوباما أعطى شرعية لمنظمة إرهابية تطبق ممارسات تعود إلى العصور الوسطى في مناطق تحت سيطرتها. إن هدف الولايات المتحدة العسكري المتمثل في إجبار طالبان على قبول المصالحة كان صعب المنال، وخاصة مع إعادة إحياء روسيا لثاراتها التاريخية مع الغرب في أفغانستان، أصبح الأمر شبه مستحيل. شبكة »بروجيكت سينديكيت«

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia