Al-Watan (Saudi)

نشغلهم لنحميهم ونكسبهم ميسون الدخيل

- Maydkhiel@alwatan.com.sa

حضرت في عطلة نهاية الأسبوع دورات الملتقى الخليجي الخامس، الذي كان تحت عنوان »معلم صانع حضارة«، الذي أقيم في دولة الكويت الشقيقة، وحضره نخبة من المعلمين والمعلمات من عدة دول عربية، كان الغالبية منهم من دول الخليج، لست معلمة تعليم عام ولكن اهتمامي كان من زاوية أنني كمدرس جامعي في كلية التربية بجامعة جدة يهمني أن أطلع على طرق تفكير معلمين ومعلمات اليوم، وما هي اهتماماتهم والتحديات التي يواجهونها من خلال مشاركاتهم في الحوارات والأسئلة التي توجه للمدربين والمدربات خلال الدورات؟ لا أستطيع أن أتواصل شخصيا مع هذا التنوع من هيئة التدريس في التعليم العام في دول الخليج، وهذه كانت فرصة حرصت على ألا أدعها تفوتني.

كانت المشاركات غنية والحوارات عميقة، وسعدت حقا بتواجدي بينهم أتابع وأصغي وأدون ملاحظاتي، والأمر الذي شدني حقا هو أن هؤلاء المعلمين والمعلمات أتوا على نفقتهم الخاصة من بلدانهم ليتعلموا وليتواصلوا ويتبادلوا الخبرات ويناقشوا القضايا والتحديات، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن المعلم الإنسان المحب لتلاميذه موجود بيننا يعمل بكل جد ومهنية على تطوير قدراته ومهاراته من أجل الارتقاء بأحبته، لأن ما حضرت كان لقاء محبة بامتياز.

الأمر الأول الذي خرجت به أن المعلم الذي لديه الدافعية سيجد الطرق التي ستمكنه من تطوير نفسه، بل إن احتاج الأمر إلى أن يصرف من جيبه لتحقيق أهدافه فلن يتأخر أو يتراجع، هؤلاء هم القادة صناع الحضارة وبالنسبة لي يمثلون قلب العملية التربوية.

والأمر الثاني هو أن الطالب الذي لا يجد ما يشغله سوف يمل وإن مل سوف يقوم بسلوكيات سلبية، فلا ننسى أنه يعيش في عصر المثيرات من حوله تشده من كل حدب وصوب فتشتت تركيزه وتجعله دائما في جوع إلى المزيد، كيف نشبع هذا الجوع؟ نبدأ بجعله يتواصل مع داخله أن ندربه على التواصل مع ذاته للتعرف عليها عن قرب وبعمق، ولن يتم ذلك إن استمررنا في تقديم المعلومات له، تلك التي وضعت له داخل إطار منهج أو مادة، بل علينا أن ندربه على البحث عن المعلومة بنفسه، ولكن قبل ذلك يجب أن نخلق له الدافع كي يتحرك ويبدأ، وحين يصرف المجهود والوقت في إيجاد تلك المعلومة بالتأكيد سوف يقدرها ويعرف قيمتها ويعمل على تفعيلها من خلال المشاركة والحوار، بل قد تجره إلى بحث جديد ورحلة أخرى في عالم المعرفة، وكلما وجد الاستمتاع سوف يستمر وينمو ويتطور مهاريا وفكريا وترتفع نسبة ثقته بذاته وتتغير نظرته للمعلم ولكل من حوله حتى والديه، لأنه حينها أصبح يعرف قيمة العمل والمجهود، وكي نعمل على تأكيد هذه القيمة الجديدة في داخله نشغله أكثر نحن أولياء الأمور، بأن نشجعه على البحث عن وظيفة مهما كانت بسيطة، وإن أمكن في مجال عملنا كبداية ومنها ينطلق للبحث بنفسه، قد يتعثر وقد يواجه التحديات وقد يتضايق، ولكنه بالتأكيد سوف يتعلم كيف يتكيف مع مستجدات حياته ويقدر كل قرش يكسبه من مجهوده وعرق جبينه، وسيعرف حينها قيمة ما يقوم به والده كمسؤول أول عن احتياجات الأسرة، وما تقوم به أمه أيضا إن كانت تعمل خارج أو داخل المنزل، وسوف يقدر معلميه ويحترمهم على ما يقدمونه من أجله، والأهم من كل ذلك سوف يبتعد عن الفراغ الذي بالتأكيد سوف يجعله فريسة سهلة لكل من يريد أن يسحبه إلى طريق الظلام في عالم الجريمة والمخدرات، وأيضا ما ظهر مؤخرا ما يسمى الجرائم الإلكتروني­ة، فصغر سنه وقلة خبرته وجهله بالقانون تجعله الهدف الأول للعصابات التي بدأت تظهر لتقتات على شبابنا لأنه إن تم وألقي القبض عليهم سوف يكون الحكم مخففا نظرا لصغر سنهم، ويعرفون تماما أن الكبار في السن من الصعب جرهم لمعرفتهم المسبقة لما ينتظرهم إن تم القبض عليهم من أحكام قد تصل إلى الإعدام!

والسؤال هنا هل نحن مستعدون في هذا العصر الذي أصبحت فيه العودة إلى قيم الزمن الماضي من سابع المستحيلات، هل نحن مستعدون أن نخسر أبناءنا لأننا نخاف عليهم من تجربة الولوج مبكرا في عالم العمل أم نتحرك ونحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان ونستيقظ يوما على رنة هاتف من الجهات المختصة تخبرنا بأنه تم القبض على الابن أو الابنة؟

الحل بأيدينا فلنبدأ بدعم بعضنا البعض، المعلم وولي الأمر كل يأخذ دوره ويعمل على إشغال التلاميذ في المدرسة والأبناء في المنزل والمجتمع، فإن لم نجد له وظيفة شغلناه في الأنشطة مثل الرياضة والمسرح والفنون أو التطوع في المشافي ودور الإيواء والجمعيات الخيرية، والنتيجة ستكون أقوى إن تركناهم يدرسون المجتمع من حولهم للتعرف على التحديات والقضايا ويخرجون بالحلول، ومن ثم اتخاذ مسؤولية قرار تنفيذ تلك الحلول، المهم لنشغلهم لنحميهم ونكسبهم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia