Al-Watan (Saudi)

الهجرة من باب العدم إلى باب المستقبل

البيئة العربية في وضعها الراهن طاردة للعقول، إذ ليس فيها أي تشجيع أو دعم للشباب على أن يطوروا ويبتكروا، وأخطر أنواع الهجرة، هو ما نسميه هجرة العقول

-

تعدّ الهجرة خاصية إنسانية سكانية، تتمثل في الانتقال من مكان إلى آخر، إما بحثا عن حياة أفضل أو هربا من وضع سيئ.

هذه الخاصية الديموجراف­ية المتمثلة في حق التنقل، تم الاعتراف بها عالميا منذ أكثر من ربع قرن، ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

كما هو ملحوظ، فقد تزايدت هجرة الشباب من الدول العربية في السنوات الأخيرة، وذلك يعد من أسوأ الأمور التي تُبتلى بها الدول المصدرة للبشر، عندما تهاجر العقول والطاقات والكوادر البشرية إلى دول أخرى، فإن دولهم تخسر ثروة هي أولى بالاستفادة منها من أي بلد آخر.

الأسباب كثيرة، ولكن غالبا يلجأ الناس إلى حلّ الهجرة، بحثا عن عمل أو عن عمل أفضل، أو بسبب الأزمات الاقتصادية التى تعصف بالدول، والتى تنتج عنها البطالة، أو عدم التوزيع العادل للثروة، الأمر الذى يعمل على تضييق مناحى الحياة على الناس، مما يدفعهم إلى ترك بلادهم والبحث عن بلاد أفضل، سعيا إلى تحقيق طموحاتهم وأهدافهم التي تعذر عليهم تحقيقها في بلادهم.

إن البيئة العربية في وضعها الراهن طاردة للعقول، إذ ليس فيها أي تشجيع أو دعم للشباب على أن يطوروا ويبتكروا، وأخطر أنواع الهجرة، هو ما نسميه هجرة العقول أو الأدمغة أو أصحاب الشهادات العليا، لأن أوطانهم لا توفر لهم مجالات تتناسب ومستوى ما يحملونه من شهادات، سواء حصلوا على هذه الشهادات في بلادهم أو من الخارج. فتضطر تلك البلاد إلى استقدام معادليهم من الدول المتقدمة، فيشكل ذلك خسارة كبيرة. لذا، يجب توفير العمل لهذه العقول وأصحاب الكفاءات مهما كلف الثمن، بدلا من تركهم يهاجرون مرغمين، ثم السعي في البحث لاستيراد عقول من الخارج لإنقاذ وضع اقتصادي في الداخل، وحينها ستكون الخسارة خسارتين، أموال طائلة ستصرف على العقل الأجنبي المستقدم، وخسائر هائلة للعقول الوطنية التي هي أحق بالاستثمار والصرف.

تشير تقارير أصدرتها كل من الجامعة العربية، ومؤسسة العمل العربية، والأمم المتحدة، عبر تقارير التنمية الإنسانية العربية، إلى وقائع وأرقام حول هجرة العقول العربية إلى الخارج. تشدد هذه التقارير على أن المجتمعات العربية باتت بيئة طاردة للكفاءات العلمية. تشكل هجرة الكفاءات العربية 31% مما يصيب الدول النامية، كما أن هناك أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة، مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة، بحيث تضم أميركا وأوروبا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا، وفق تقرير مؤسسة العمل العربية.

أرى أنه من الأفضل للدول العمل على انتفاء مسببات الهجرة، وترسيخ دعائم اقتصاد متين منفتح، خلال الاستفادة من طاقاتها الشبابية، وفتح مجالات العمل أمام الشباب، واحتضانهم والعمل على تشغيلهم، والاستخدام الأمثل لهم، حتى يمكن تفجير طاقات الشباب الإبداعية، والاستفادة منهم في بناء أوطانهم التي هي في أمسّ الحاجة إليهم، بزنودهم وأيديهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia