Al-Watan (Saudi)

أحمد الرضيمان

-

هذه الجملة (الإسلام دين المساواة) لم ترد في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا قالها أحد من أصحاب القرون المفضلة – فيما أعلم - ومن أراد بها المساواة (المطلقة) بين الناس عموما، فهو مخطئ في ذلك، ومن أمثلة ذلك أنه: ليس الذَكر كالأنثى، بل كلٌ له خصائص سخرها الله له، وهذا من التكامل، فمن أراد أن يلغي الفوارق، ويكلف المرأة بما ليس من شأنها، أو يكلف الرجل بما ليس من شأنه، متوهِّما أن: الذكر كالأنثى، فإنه يُذَكَّر بقوله تعالى (وليس الذكر كالأنثى)، فالمرأة لها مهام جليلة، استحقت بسبب القيام بها أن تكون أحق الناس بصحبة ابنها، بل قدم النبي عليه الصلاة والسلام حقها على الأب ثلاث مرات، فقال: (أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك)، والرجل له خصائص، جعلت القوامة له كما يدل عليه قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض)، فكلٌ ميسر لما خُلِق له، فمن أراد أن يقحم المرأة بما ليس من شأنها، فهو ظالم لها، وإن زعم خلاف ذلك، ولهذا فالصواب أن يقال (الإسلام دين العدل)، لأن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، وقد أمر الله به فقال {إن الله يأمر بالعدل} وقال (وإذا قلتم فاعدلوا)، بينما المساواة تعني: إعطاء الجميع مثل بعض، وفي التطبيق العملي لهذين المفهومين، نجد- على سبيل المثال - أن الأستاذ الذي يعدل بين الطلاب، يعطي كل طالب ما يستحقه من الدرجات، بينما الذي يساوي بينهم نجده يعطيهم درجات متماثلة، وإن اختلف أداؤهم، فيكون بذلك ظالما لهم بهذه المساواة، والذي يعدل بين الناس يُنزِل كل واحد منهم منزلته اللائقة به، ولا يساوي بين من أبلى بلاء حسنا في خدمة دينه وبلده، بمن ليس كذلك، وإذا كانت المساواة لم ترد في القرآن الكريم، فإن الذي ورد فيه هو نفي المساواة، قال الله تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنَْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}، وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله..}، وقال تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأعَْمَى وَالْبَصِيرُ أمَْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}، وقال تعالى {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وقال تعالى {أفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}، فالفروق بين الناس معلومة قدرا وشرعا.

صحيح أن جميع الناس مطالبون بعبادة الله وحده، كما لا يستثنى أحد من الحدود الشرعية، وكلهم متساوون في كونهم من بني آدم، وقد كرَّم الله بني آدم، كما قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم)، ولا يخرج من هذا التكريم إلا من أهانه الله بسبب خروجه عن طاعته، كما قال تعالى (ومن يهن الله فما له من مكرم)، ومتساوون في الوعد والجزاء، كما قال الله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أوَْ أنُْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أجَْرَهُمْ بِأحَْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، لكن هذا لا يعني إطلاق المساواة، ونفي الفوارق الشرعية، فإن قال قائل: ما تقول في حديث: (الناس سواسية كأسنان المشط)، وحديث (لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى)، وأن الناس كلهم من تراب، فالجواب: أما حديث (الناس سواسية) فهو غير صحيح، وأما الحديث الآخر (لا فرق ...) فقد أثبت الفرق بقوله: إلا بالتقوى، مع كون طائفة من أهل العلم ضعفوا هذا الحديث، وأما كون الناس كلهم من تراب، فصحيح، لكن التربة والأرض تختلف، فمنها أرض طيبة، تمسك الماء وتنبت الكلأ، ومنها أرضٌ سبخة لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً، بدليل قوله تعالى {وفي الأرض قطع متجاورات}، قال شيخ المفسرين الطبري في بيان معنى الآية (وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات، يقرب بعضها من بعض بالجوار، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض، فمنها قِطْعة سَبخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع)، وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن من الأرض ما هي طيبة تقبل الماء وتنبت العشب، ومنها قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فكذلك الناس، منهم الطيب ذو الأصول الطيبة، الذي لا يستغرب منه الطيب، لأن معدنه طيب، ومنهم الرديء الذي لا خير فيه مهما أحسنت إليه، لأن معدنه رديء، ويدل على أن الناس معادن مختلفة، قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري (تجدون الناس معادن)، قال الحافظ ابن حجر (قوله: تجدون الناس معادن، أي: أصولا مختلفة، والمعادن جمع معدن، وهو الشيء المستقر في الأرض، فتارة يكون نفيساً، وتارة يكون خسيسا، وكذلك الناس).

 ??  ?? rudhiman@alwatan.com.sa
rudhiman@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia