Al-Watan (Saudi)

مأساة سورية المستمرة وتضارب المصالح

Http://www.alwatan.com.sa/info/neqashat.htm

- فهد الراجح

إن المأساة المستمرة في سورية منذ ما يزيد على خمس سنوات رغم المحاولات الجادة للجامعة العربية وبتنسيق مع الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لسورية لتسوية هذه الأزمة، وما تلاها من محاولات مستمرة بقيادة الوسيط الدولي دي ميستورا، الذي يوصف بأنه صاحب خبرة متميزة في هذا المجال، إلا أن هذه المأساة الإنسانية لا تزال مستمرة وتتصاعد، وأصبحت مأساة لم تشهدها دولة أخرى في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ومجلس الأمن المسؤول عن صيانة الأمن الدولي بات عاجزا عن تسويتها، هذا بالرغم من قتل النظام السوري وحلفائه ما لا يقل عن 500 ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وإصابة أضعاف هذا الرقم، مع غياب شبه تام للرعاية الصحية وتهجير ونزوح أكثر من 12 مليون نسمة، واستخدام النظام الأسلحة المحرمة دوليا، كل ذلك دون بارقة أمل للتوصل إلى حل لإنهاء هذه الأزمة.

لذا يبرز تساؤل مدوٍ.. لماذا تستمر هذه المأساة الإنسانية رغم وضوح الحلول لها؟ نجد الجواب على هذا التساؤل من خلال استقراء وتأمل تداخل مصالح الأطراف اللاعبة في هذه القضية، فهناك أطراف متواجدة على الأراضي السورية، وهي روسيا وإيران، ودول لها دور غير مباشر خاصة إسرائيل والولايات المتحدة، فهذه الدول بينها كما هو معلن صراع بل عداء، ولكن تتلاقي مصالحها في هدف واضحة تجلياته وهو تفريغ سورية من السكان وتهجيرهم مع غيرهم من القادمين من العراق وأفغانستان وباكستان - لأوروبا، فروسيا تريد من ذلك ممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي لتغيير موقفه الداعم لأوكرانيا في صراعها مع روسيا حول شبه جزيرة القرم، وقد نجحت روسيا في ذلك بأن أحدثت إرباكا، بل شقاقا بين الدول الأوروبية كلفها مبالغ طائلة لمراقبة الحدود، ولعل أخطر تداعيات تدفق المهاجرين لأوروبا هو تصويت غالبية الشعب البريطاني مع تأييد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وتمدد التيار الشعوبي في عدد من الدول الأوروبية وهو التيار المضاد لخطوات الاتحاد الأوروبي.

إن إضعاف الاتحاد الأوروبي اقتصاديا هدف استراتيجي تسعى إليه كل من روسيا والولايات المتحدة، وإسرائيل تلتقي معهما في ممارسة ضغوط على الاتحاد الاوروبي الذي يتبنى مواقف إيجابية من الصراع العربي الإسرائيلي، ولعل آخرها تصويت دوله الأعضاء في مجلس الأمن على القرار رقم 2334 الذي يؤكد على عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي التي احتلتها عام 1967، واعتراف معظم دوله بدولة فلسطين، هذا إلى جانب أن تفريغ سورية من السكان وتحويلها إلى بلد طائفي مجهد ومدمر يجعله لسنين طويلة خارج دائرة الصراع العربي الإسرائيلي أي دولة غير ذات وزن.

أما إيران فإنها كسبت من مساهمتها في تفريغ سورية من السكان ود هذه الدول خاصة إسرائيل والولايات المتحدة، فتحقيق غايتهما تلك جعلهما ينحيان جانبا تركيزهما على برنامجها النووي، هذا إلى جانب أن تحويل سورية إلى بلد طائفي سيخدم أهدافها الاستراتيج­ية في المنطقة. وإسرائيل ما زالت تسعى وبتنسيق محكم مع إيران لإطالة أمد هذه الأزمة لأن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التدمير والتفريغ من السكان، ويطيل بقاء المهاجرين في الدول التي يتواجدون فيها، ومن ثم تشجيعهم على الاستقرار الدائم هناك وبالتالي عدم عودتهم، وهذا ما حدا برئيس وزراء إسرائيل نتنياهو للتباهي بأن بلاده لن تلتفت لسورية والعراق قبل أربعين سنة.

أما الولايات المتحدة فإن أولوياتها في المنطقة هي أمن إسرائيل إلى جانب ممارسة الضغوط على الاتحاد الأوروبي من خلال تدفق المهاجرين، وكذا جر روسيا للانزلاق في هذه الأزمة لاستنزافها، وفي ذات الوقت تفادي تكرار التدخل المباشر كما حدث في العراق، ومع أن كل المؤشرات تدل على أن هذه الأزمة المأساوية رغم بشاعتها الإنسانية ستستمر في المدى المنظور إلا أن التفاؤل مطلوب، ومن مؤشراته التي تبعث بريقا من الأمل الاتفاق مؤخرا بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الذي جاء تفاعله الإيجابي متأخرا، على بقاء المهاجرين من سورية في تركيا مقابل تقديم دعم مالي لها مقداره (6) مليارات يورو.

خطوات الاتحاد الأوروبي تلك دفعت كلا من تركيا وروسيا لعقد اتفاقية لمد أنبوب لنقل الغاز الروسي عبر أراضي تركيا لتصديره لأوروبا، وهذا بديل للخط القائم عبر أوكرانيا، ونتيجة لإدراك روسيا أن تدفق المهاجرين لأوروبا لم يعد ممكنا وبالتالي لا جدوى من استمرار هذه الأزمة، بدأت تسعى بشكل أكثر جدية لإيجاد حل سياسي يضمن مصالحها الاقتصادية والاستراتي­جية في منطقة البحر المتوسط، حتى وإن كان ذلك على حساب النظام السوري الذي أصبح تدريجيا خارج العملية السياسية لتحديد مستقبل سورية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia