Al-Watan (Saudi)

الخبيتي فن حضري لا علاقة له بالصحراء

أبيات هاربة

- عبدالله المعيقل* • أكاديمي سعودي

في كتابه »الخبيتي؛ أغاني الخبت، دار المفردات للنشر والتوزيع، الرياض 1438«، يبدأ مفرج السيد، المهتم بالتراث الشعبي، وهو أيضا شاعر يكتب الشعر الفصيح وكذلك العامي، بتعريف كلمة »خبيتي« التي يُنسب إليها هذا النوع من الغناء، فيرى أنها تصغير لكلمة »خبت« التي تعني المتسع من الأرض أو بطون الأودية، و»الخبيتي« إيقاع غنائي كان يؤدى في الخبت خارج القرية، لذلك يسمى »خبيتي«. وهذا التعليل شائع عند بعض الباحثين ممن لم يتوقفوا عند المسمى بالبحث والتدقيق، بل اكتفوا من الغنيمة بالإياب. والحقيقة أنني لا أطمئن لهذا التعليل ولا أستريح له، وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أجزم بخطأ من يؤمن به، ولكنها تساؤلات عبرت أفق خيالي كما تقول أم كلثوم، ما دمنا في موضوع الغناء، فلماذا مثلا لم ينسب الخبيتي إلى كلمة الخبت نفسها؟ لماذا نسب للتصغير: خبيت؟ ودع عنك ما يقال إن التصغير هنا للتحبب والتمليح، لأن كلمة خبت مكونة من ثلاثة حروف فقط، ويسهل النسبة إليها لو كان هذا الفن مرتبطا في نشأته الأولى بالخبت »الصحراء«، فالصحراء لها ألحانها المختلف ذات الطابع البدوي، وبعضها تمارس جماعيا، والبعض انفراديا، كالغناء على الربابة، وليس لآلة السمسمية التي يؤدى عليها الخبيتي أي علاقة بالصحراء. الخطأ المشابه الذي وقع فيه الباحث، وهو نسبة نشأة رقصة »زيد« إلى منطقة ينبع. والواقع أن »زيد« لا تمارس في ينبع إلا نادرا، وإذا مورست تكون ممارسة باهتة على هامش مناسبات أعيادهم، فهي ليست من ألوانهم ولا يجيدونها ولا يتعلقون بها، وبذلك لن تكون ينبع مصدرا لها، وهي شائعة ومعروفة في قرى وادي الصفراء وبدر ورابغ، ويعدّ ولد علي في المدينة المنورة هم أكثر من يجيدها. ويمكن أن نلاحظ ـ استطرادا ـ أن أسماء أعلام تسمى بها الرقصات أو يتكرر الاسم فيها ومنها الرقصة المشهورة في ينبع هي رقصة »الرديح«، ولا تكاد توجد في مناطق الجزيرة الأخرى، وظهرت في فترة معينة في جدة مع هجرة بعض سكان ينبع إليها، وقد أشار الباحث المغربي عبدالهادي التازي في حديثه عن انتقال بعض ألحان الغناء الينبعي فقال: »ومن تلك الأصناف ما كان يسمى«الرديح»وهو اسم ما يزال حيَّا إلى الآن في المغرب نستعمله مقرونا بكلمة الشطيخ يعني الرقص«. والرديح منافسة شعرية ليلية تشابه شعر القلطة، إلا أنه يصحب بإيقاع الطبول والدفوف وله أربعة ألحان، وكل لحن يستغرق جزءا من الوقت. لقد بذل المؤلف جهدا كبيرا ومهما في جمع نصوص الخبيتي، وكتابه مرجع مفيد للباحث في هذا الباب، ونصوص الخبيتي هي أبيات هاربة من قصائد سابقة غير معروفة، وبعضها مجرد مقولات شائعة، ويضيف كل جيل وكل بيئة أبياتا جديدة لهذا التراث، ولا يجمع هذه الأبيات قافية مشتركة بين بيت وآخر إلا ما ندر، وما يجمعها هو اللحن الذي تغنى فيه، وتتعدد ألحان الخبيتي ولعل أشهرها لحن: لا لا يالخيزرانة. 1- لا لا يالخيزرانة في الهوى ميلوكي لا لا وإن ميلوكي مالت الروح معاكي لا لا سيدي نسيني يحسبني نسيته لا لا والله ما أنسى سيدي لو نسيني وهذا اللحن مشهور جدا، ولعله الأشهر بين ألحان الخبيتي، وإيقاعه مما يوافق راقص الزار. ومثله لحن: سليِّم سليِّم وش أسوي بمحبوبي تلقى الخلا واعطى المفاتيح عبدالله ويُغنَّى بإيقاعين مختلفين الأول: سليِّم سليَّم والثاني: يا وراد الماء اسسقني شربيت واللي سقاني ما يخاف الله ألحان الزار تسبق ألحان »الزار« أو تتبع باللازمة »لا لا« تتكرر حسب اللحن، أو لازمة: »يا ليحا يومه يا حيوم حليه«. وحاول المؤلف وزن ألحان الخبيتي فاستعمل اللازمة: اسم »زيد« الذي سميت الرقصة باسمه، ويأتي هذا الاسم كثيرا كناية عن المرأة: زيد قال لي سلام قلت يا مرحبا واحترف لي بدله ما أعرف أوصافها ريحة الفنجال يوم أنه امتلأ مثل ريحة سويقة يوم عجاتها »لعل المقصود هو سوق سويقة في عجاتها أي أيام ازدهارها.« »لا له أو لا لا« ومرة لازمة يا لا للا لا للا لا للا لا يا دان داني دانيداني »يادان« هكذا: مكة، يوم على أساس أن هذين وزنان من أوزان الخبيتي، وهذا اجتهاد من المؤلف، لكني لا أعتقد أن القارئ يستطيع استيعاب ألحان الخبيتي أو تخيله من خلال توصيف كهذا، ولو تتبع ألحانه ضمن المقامات الحجازية التي أشار إلى أهميتها في مفتتح الكتاب، لكنه لم يربطها بألحان الخبيتي ولو فعل لكان قدم فائدة عظيمة في هذا المجال. أعود لأكرر شكري للباحث الجليل على هذا العمل المثمر الذي لا يستغني عنه باحث في هذا اللون الغنائي الجميل.

 ??  ?? رقصة الخبيتي تؤدى بكثرة في الحجاز (الوطن)
رقصة الخبيتي تؤدى بكثرة في الحجاز (الوطن)
 ??  ?? عبدالله المعيقل
عبدالله المعيقل

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia