Al-Watan (Saudi)

الشعبوية نتاج الانقسام الطبقي داخل المجتمعات

-

بدأ الحديث كثيرا عن صعود الشعبوية في الأوساط الغربية، وذلك في وقت بدأت حمى الشعبوية تتفشى في كل من فرنسا وبريطانيا وأميركا ومناطق أخرى، وأنها تعكس تحولات عميقة في المجتمعات الغربية. إن إحدى القوى الدافعة لانتشار الشعبوية تتمثل في الانقسام التدريجي للفئات الاجتماعية التي كانت تشكل الأساس للطبقات الوسطى، حيث إن مختلف الشرائح المجتمعية في كل من فرنسا وبريطانيا وهولندا والنمسا والولايات المتحدة بدأت تنضم إلى صفوف الثورة الشعبوية، سواء أكانوا عمالا من ذوي الياقات الزرقاء أو البيضاء أو من أصحاب المهن المتوسطة أو المزارعين. إن هذه الحركة الشعبوية تعود بجذورها إلى الماضي، حيث إنها بدأت منذ فترة طويلة، وإن الدعم الذي لقيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعود جذوره إلى فترة هيمنة المؤسسات المالية على السياسة والاقتصاد التي بدأت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي يعود بجذوره إلى فترة تراجع الصناعة الذي بدأ في عهد رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر، أما الجبهة الوطنية اليمينية في فرنسا فقد بدأت تكتسب زخما عندما تراجعت الصناعات الثقيلة في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن نموذج العولمة لا يؤدي دوره، ويقوم أساسا على تقسيم العمل على الصعيد الدولي، ويتسبب في توليد ثروة كبيرة، لكنه لا يفعل شيئا في طريق ربط المجتمع بأسره. سوق العمل مرتكز في المدن الكبرى، وهو الأمر الذي يؤدي إلى الضغط على الطبقات الوسطى، وأن الناس العاملين أصبحوا لأول مرة لا يعيشون في الأماكن التي تنشأ فيها فرص العمل والثروة، وذلك في ظل وجود خلل واضح بين المراكز العالمية الموصولة بالاقتصاد العالمي والمناطق النائية المحرومة. إن الناخبين الشعبويين في أنحاء العالم المتطور يزدادون قوة خارج المدن الكبرى، وذلك في المدن المتوسطة والصغيرة وفي الأرياف، وإن سكان هذه المناطق هم الذين يسهمون في تفشي الشعبوية. أهالي هذه المناطق هم من أدى إلى خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، وهم من أوصل ترمب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، وهم الذين يدفعون بعجلة الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا، في وقت بدأت هذه الشرائح السكانية التي تقيم في المدن الصغيرة والأرياف تكتسب زخما، وذلك في ظل تركز الطبقات الاجتماعية العليا والمهاجرين والأقليات في المدن الكبرى، وبهذه الطريقة، فإن الجغرافيا الاجتماعية الجديدة تؤدي إلى تجديد الانقسام القديم الذي كان ما بين الشرائح السكانية المستقرة والشرائح الراحلة. القضايا الاجتماعية لا تعدّ العامل الوحيد المحدد للتصويت الشعبوي، بل إن الهوية تعتبر أيضا عاملا مهما، حيث ترتبط بظهور مجتمع متعدد الثقافات يغذي القلق في بيئات الطبقة العاملة، حيث إنه في وقت تتقلب فيه الأغلبيات والأقليات في ظل عدم الاستقرار الديموجراف­ي، فإن الخوف من التحول إلى أقلية يخلق انعداما أمنيا ثقافيا كبيرا في البلدان المتطورة. خلافا للطبقات العليا التي يمكنها أن ترفع الحواجز بين ذاتها والآخر المتمثل في المهاجرين أو الأقليات، فإن الطبقات العاملة تحتاج إلى جهاز حكومي قوي لحمايتها على المستويين الاجتماعي والثقافي، وإن الطفرة الشعبوية لهذا السبب، تعيد تنشيط صوت الطبقية الحقيقية. صحيفة »ذي أوبزيرفر« البريطانية

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia