Al-Watan (Saudi)

الخروج من الكهف من كان يستخدم الولاية أو القوامة، ليعسكر بها في كهف الاستعباد بمعتقداته المريضة، عليه الآن أن يحدّث معلوماته، ويخرج من كهفه طواعية، أو بالقانون

-

ربما سمعتَ يوما في أحاديث متناقلة عن الأسرة، أنه حين تزوجت جدتك لم تر جدك إلا في يوم الزفاف، وربما سمعت أيضا، أن والدك لم يسمع صوت والدتك، إلا يوم عقد القران.

وربما عاصرت شروط زواج أختك الكبيرة التي اكتفت بطلب مسكن، وربما وقفت على تفاصيل شروط زواج أختك الصغيرة التي طلبت أن تكمل تعليمها وتعمل بعد التخرج، ويكون لديها سكن مستقل، وربما حين تزوجت أنت، شعرت بشيء من الانزعاج حين اشترطت زوجتك حزمة أخرى من الشروط التي لم تخرج عن حدود التعليم والعمل والسكن، وربما مؤخر صداق. ليس تشكيكا في أخلاقك، أو لأن هذا كان أكبر همّها، بل لأن التجارب حولها، جعلتها تعتقد أن هذا كل ما يحتاجه الزواج فقط.

وربما حين يأتي الوقت الذي تزوج فيه ابنتك أو حفيدتك، ستختلف رؤيتك لشروط عقد الزواج.

لأن كل ما يحدث من تطور في قضايا وخلافات الطلاق، أصبح يثير القلق والخوف.

فإذا تمعّنت في القضايا التي وفدت وما زالت تفد إلى المحاكم، ستجد أن لكل قضية سببا، يمكن تفاديه وعدم تكراره في المستقبل، إذا تم بناء البدايات على أسس متينة، بتحديث أولا الأفكار النمطية والمعتقدات القديمة المتعارف عليها عن الزواج. فالزواج ليس سجنا أو معتقلا، ينبغي أن يؤخذ قبل دخوله موافقة السجان ليعتمد شروط الإقامة.

الزواج شراكة بين طرفين، قائمة على المودة، ينبغي أن تستمر هكذا طوال الوقت، فإذا تم التنازل أو التخاذل في أداء الواجبات، من طرف ليحمله الآخر على عاتقه، حتما سيزيد العبء والضغط على هذا الطرف، وستأتي عليه لحظة فينفجر، وتعم الفوضى والمشكلات.

وإذا اعتقد طرف أن له الحق في كل شيء، لأنه يصرف على الطرف الآخر من ماله مثلا، سيأتي عليه يوم يُجرّد من هذا الحق بمطرقة القانون.

فلا يوجد زوج طيب وآخر شرير، ولا زوجة طيبة أو مدللة، بل توجد أسباب وراء كل تحول، ينبغي أن نضعها في عين الاعتبار.

فالأزواج يتشكلون حسب ظروف الحياة التي يعيشونها، فحين تتحمل الزوجة مثلا مسؤولية البيت وتدريس الأطفال وشراء احتياجات المنزل، سيتّكل عليها زوجها مع الوقت في تصريف جميع شؤون المنزل، لأنه لمس قدرتها على فعل ذلك. بينما اعتاد هو في الوقت نفسه، قضاء جل وقته خارج المنزل أو مع أصدقائه، فحتما سيأتي عليها يوم تثور وتغضب من شدة الإرهاق، وتراكم المسؤوليات، وتتمرد على كل شيء، لانعدام التوازن في تلك الشراكة الزوجية.

وإذا اعتادت الزوجة الخروج يوميّا، دون الالتفات إلى مسؤولياتها، وإلقاء ذلك على العاملة المنزلية، حتما سيأتي على الزوج يوم ينفد صبره ويثور وتنتهي علاقتهما.

لذلك، أصبح لزاما أن تتغير مفاهيم وأنظمة الزواج، ويتحرك مجلس الأسرة بخطوة جادة للأمام، تبدأ بتحديث مفاهيم المؤسسة الزوجية، والمتطلبات التي تُعنى بنجاحها واستقرارها، بإجراء تغيير شامل لعقود الزواج التي ينبغي أن تخرج عن السطحية والرمزية والمجاملات، وتدخل مرحلة العمق والتفصيل والشمولية »بعقد زواج تفصيلي«.

على أن يصبح »العقد التفصيلي«، متطلبا مثل الفحص الطبي، يفترض أن يرافق كل عقد زواج، تدون فيه مسبقا اتفاقية تحدد دور ومسؤولية كل طرف، في كل أمر يتطلب مشاركتهما، على أن يشمل أقساما تحدد فيها الأدوار والواجبات المستقبلية بين الزوجين.

فعلى سبيل المثال، يحدد قسم يتناول مسؤولية الطرفين في حالة الإنجاب، وواجب كل طرف في رعاية الأم والطفل لفترة ما بعد الولادة، وقسم للتربية والتدريس، وآخر للإنفاق والمصروفات. وقسم خاص في نهاية العقد التفصيلي، تُدوّن فيه الحقوق والواجبات، في حالة وقوع طلاق، يتم التطرق فيها بشكل رئيسي إلى حقوق الأطفال بالتفصيل، لحمايتهم من النزاع بين الطرفين، ويوقّع على ذلك الزوجان، قبل توقيعهما على عقد القران.

فغالبية حكايات الطلاق، تبدأ بقصص مثالية وأخرى رومانسية، يتغاضى فيها بعض الأطراف عن عيوب ومشكلات جوهرية، بسبب حالة الإحراج والتجمل التي تتملك بعض الأسر ذلك الوقت، ولكن هذا التغاضي يدفع أحيانا إلى طغيان طرف على آخر.

لذا، اُكتبوا شروطكم جيدا، فالزواج دائما ما يبدو جميلا ساحرا في البداية، ولكن تطورات ظروف الحياة، وتبعاتها المتقلبة تجعله مرهقا دون ضمانات تبقيه كما هو، أو تخفف من وطأة تقلباته، سوى اتفاقيات مسبقة تحدد الواجبات والمسؤوليا­ت والحقوق.

ومع ارتفاع نسبة الطلاق في المملكة ودول الخليج، لم أجد إلى الآن أي مبادرة تشد الانتباه، بتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة ومحاربتها، لنضمن استقرار مستقبل الأسرة وعودتها إلى المسار الصحيح. المسار الذي يجب أن يحترم فيه جميع الأطراف حقوق أفراده، ويعي بأن الدولة كفلت تلك الحقوق، ولا تسمح لطرف بالتسلط على الآخر، بل توفر الحماية والرعاية لجميع أفراد الأسرة من القُصّر والبالغين، ومن كان يستخدم الولاية أو القوامة، ليعسكر بها في كهف الاستعباد بمعتقداته المريضة، عليه الآن أن يحدّث معلوماته، ويخرج من كهفه طواعية، أو بالقانون.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia