Al-Watan (Saudi)

سطام المقرن

- Sattam.m@alwatan.com.sa

منذ أكثر من ثلاثين عاماً، والعديد من الجهات الحكومية تشكو من سيطرة فئة معينة على مراكز القوى داخلها تتحكم بالتوجهات والقرارات الإدارية، وتتكون هذه المراكز من عدة أشخاص في موقع أو أكثر من مواقع داخل الجهة الحكومية الواحدة، تلعب فيها الروابط العائلية أو العشائرية القبلية دوراً رئيسياً، وهو ملموس على أرض الواقع، فليس من المستغرب أن نجد جماعة بيروقراطية من عائلة أو قبيلة واحدة تتركز في جهة ما رغم أن أنظمة ولوائح الخدمة المدنية تنص على الجدارة والتأهيل في عملية التوظيف والترقيات والحوافز!.

قد يتحدث الموظفون في الجهات الحكومية عن موظف صغير ليس لديه مؤهل أو خبرة، بالإضافة إلى تدني مستوى إنتاجيته في العمل، وغير مكترث بمهام وظيفته، كما أن تقويم الأداء الوظيفي غير مرض، وفجأة وفي وقت قصير يترقى هذا الموظف إلى أعلى المراتب في السلم الوظيفي، بل وربما تولى مناصب قيادية مهمة في تلك الجهة.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور إبراهيم العواجي عن اختيار القيادات الإدارية في الجهات الحكومية ما نصه »المشكلة لدينا هي في أسلوب اختيار القيادات، حيث أصبح معلوماً أن الاختيار يتم وفقاً لتوصيات من مقربين أو مسؤولين في النظام العام، ربما لقناعتهم بكفاءة وصلاحية الشخص، وربما لعوامل المحسوبية الشخصية.. فقد أصبح الاختيار انتقائياً ولاعتبارات ليست بالضرورة دائماً موضوعية.. وهو محل انتقاد متواصل من فئات متعددة من المواطنين .«

وعلى هذا الأساس، فإنه بالفعل ما يضعف الثقة في الإدارة الحكومية، هو نهج الواسطة والمحسوبية، فالأصل في كل الأنظمة والقوانين أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، ومظاهر المحاباة والواسطة من المظاهر المقيتة في الوظيفة الحكومية، فتكون معايير الانحياز لمصلحة القبيلة أو العشيرة، أو المذهب أو الأقارب أو ذوي الولاءات الشخصية، فتصبح الجهة الحكومية كالمنزل الخاص أو جمعية أسرية أغلب موظفيها ينتمون إلى فئة معينة أو منطقة معينة، فتقدم الخدمات العامة (الحكومية) حسبما تراه هذه الفئوية لا على أساس المصلحة العامة والمصلحة الوطنية.

لا شك أن الإدارة الحكومية لا يمكن أن تنفصل عن إطارها الاجتماعي والثقافي، والسلوك الإداري بطبيعته هو محصلة القيم والتقاليد والأعراف التي يفرزها المجتمع، والإدارة في المملكة قد تأثرت بالأعراف والتقاليد القبلية، والتي لها تأثير واضح على برامج التنمية وخططها وإعداد السياسات وتفسيرها وتطبيقها، الأمر الذي أدى إلى إيصاد السبل أمام الكفاءات الإدارية المؤهلة وهروبها، وعدم إتاحة الفرصة المتكافئة لهم.

لقد أصبح تغليب القبيلة أو العشيرة أو ذوي القربى في الجهات الحكومية مرضا إداريا مستفحلا يصعب علاجه، وكثيراً ما نقرأ ونسمع بشكاوى الناس في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت وفي الجهات الرقابية عن قيام مسؤول حكومي بتوظيف مجموعة من أقاربه دفعة واحدة وبشكل معلن دون اكتراث أو خوف من العقاب أو المساءلة، حتى أن الأمر يكاد يكون حقاً طبيعياً للمدير أو الرئيس الإداري، والسبب في ذلك يعود إلى أن الجهات الرقابية والقضائية تواجه معضلة عدم وجود نظام أو قانون يجرّم توظيف الأقارب.

ولكن صدور قرار خادم الحرمين الشريفين حفظه الله والمتضمن التحقيق مع أحد الوزراء، بناء على تجاوزات تمثلت في تعيين ابنه بالمخالفة للأنظمة، يعد سابقة، وهو الأول من نوعه في المملكة، ولا شك أن هذا القرار سيحد من ظاهرة توظيف الأقارب، بالإضافة إلى أن مجلس الوزراء أقرّ أخيراً مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة.

حيث نصت المادة ـ19 من تلك المدونة على »الموظف أن يفصح خطيا للإدارة التي تحددها جهته عن أي حالة تعارض مصالح حاليا أو محتملة، قبل اتخاذه القرار، أو إبدائه الرأي في الواقعة محل التعارض، وعلى الموظف ألا يشارك في أي قرار يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على ترسية أي عقد يكون أحد أقربائه طرفا فيه. وذكرت المادة بعضا من حالات تعارض المصالح، ومنها وجود مصلحة بين الموظف والجهة المتعاقدة أو التي بدأت في خطوات التعاقد مع جهته الوظيفية، متى كان للموظف العام دور واقع أو محتمل في ذلك التعاقد، أو وجود صلة قرابة حتى الدرجة الرابعة بين الموظف والشخص المرشح للحصول على وظيفة في جهته الوظيفية، متى كان التوظيف يعتمد على قرار أو رأي من الموظف العام .«

وبناءً على ما سبق فإن عدم الإفصاح خطياً عن أية حالة لتعارض مصالح يعتبر ذلك فساداً، كما أن المدونة أوضحت كيفية تعامل الموظف مع أقاربه من الدرجة الأولى وحتى الدرجة الرابعة التي تصل إلى أبناء العمومة، وأقارب النسب، ومتى يفقد الموظف استقلاليته، وبالتالي فإن هذه المدونة تجبر الموظف على الإفصاح عن أقاربه خشية الوقوع في أية مصالح خاصة.

وأخيراً، أتساءل: هل تم تفعيل مدونة قواعد السلوك الوظيفي في الجهات الحكومية؟ وهل تم تقييم أنظمة الرقابة الداخلية على عملية التوظيف والترقيات؟ وهل هناك قواعد أو معايير مبنية على أسس علمية وموضوعية لاختيار الأنسب من القيادات الإدارية؟

إن الإصلاح الإداري يحتاج إلى جرأة وشجاعة في مواجهة الفساد والحد منه، والكرة الآن في ملعب نزاهة والجهات الرقابية وخاصةً بعد القرار الملكي الأخير والمتضمن إحالة الوزير إلى التحقيق، والذي أعطى الضوء الأخضر لمحاسبة ومساءلة أي مسؤول حكومي مهما كان منصبه، فلا عذر لهم اليوم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia