Al-Watan (Saudi)

رؤية نحو إعادة هيكلة للتعليم العالي والتنمية الاجتماعية عبلة مرشد

- Ablah_murshed@alwatan.com.sa

من أولويات الجودة والتمكن في العطاء التخصص في المنتج، وبالخبرة يُصقل التخصص ويتميز، وذلك يجري

على المؤسسات وما يُناط بها من مسؤوليات ومهام، فإنه كلما تحددت المسؤوليات وتركزت المهام والاختصاص وتوحدت الأهداف المطلوبة للأداء واتضحت الرؤية المستهدفة؛ كلما كان العطاء أفضل وأكثر عمقاً وقيمة ومواءمة لما تستهدفه الرؤى، فالتعليم الجامعي على سبيل المثال، يُخرج لنا كفاءات متخصصة في العلوم المختلفة وهي أكثر عُمقاً من ذات التخصصات التي تكون متاحة في الديبلومات، وفي الدراسات العليا »ماجستير« يزداد المتعلم عُمقاً في تخصصه الذي يكون أكثر تركيزاً في الدكتوراه، ولذلك نجد أن هناك تميزا في الأداء لأولئك الذين يتوحد مسار تخصصهم في علم أو مجال معين، فمنهم نجد الابتكارات والبحوث العلمية المتميزة والمتخصصة التي تخدم مجال علمهم ومجتمعهم، وبالمقابل كلما تعددت المسؤوليات وتنوعت التخصصات والأهداف المقصودة واختلفت التوجهات وتمايزت الرؤى وتشتتت؛ كلما قَل العطاء وضعُف الإنجاز في جميع المستهدفات.

وإذا ما تناولنا واقع وزارة التعليم ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، نجد إن هاتين الوزارتين تتحملان عبئاً

جسيماً في مسؤولياتهم­ا المؤسسية لقطاعات تنموية هامة وأساسية، وينعكس أداؤهما على كافة شرائح المجتمع وقطاعاته المرتبطة بالتنمية البشرية ومؤشراتها المختلفة، وعليه فإن عـِظم المسؤوليات الملقاة على عاتقهما مع اختلاف الأهداف والتوجهات والبنية المؤسسية والبشرية وطبيعة العمل لكل قطاع تضمه تلك الوزارتين، يزيد من ضعف الإنجاز الذي تعاني منه كلتا الوزارتين، وذلك لتراكم المسؤوليات وتشعب مساراتها من جهة، ولما تعانيه تلك الوزارتين أصلاً من خلل مسبق في مستوى منجزاتهما وأدائهما على أرض الواقع من جهة أخرى، وذلك لفترة سبقت توسيع مظلتهما المؤسسية لتضم وزارة التعليم، التعليم العالي تحت مظلتها، وتضم وزارة العمل، التنمية الاجتماعية في كنفها، ولما كانت كلتا الوزارتين غير قادرتين على تحمل مسؤولياتهم­ا المحددة في التعليم »العام« و»سوق العمل«، فكيف لهما أن تتحملا مسؤولية مضاعفة وهما لم تحققا نجاحاً في المسؤولية المنفردة، ويقول الكاتب الإنجليزي المعروف مايكل كوردا »إن الميزة الوحيدة التي تجمع بين الناجحين في العالم تكمن في قدرتهم على تحمل المسؤولية«، ويقول سبحانه وتعالى »لا يكلف الله نفسا إلا وسعها«.

وعلى الرغم من أن التعليم العالي هو جزء من القطاع التعليمي، إلا أنه من المعروف أنه يختلف تماماً في قطاعه الإداري والمؤسسي المرتبط بالجامعات عن التعليم العام، سواء في موارده البشرية من الأكاديميي­ن أو كادره الإداري في إدارته العليا أو العمادات والوكالات المختلفة للكليات العلمية والكليات المساندة للعملية التعليمية والبحث العلمي والإدارات المختلفة التابعة لها، ويمتد ذلك إلى الخطط الدراسية والمقررات وغيرها، ولذلك كان هناك نظام خاص بالجامعات ولائحة معنية بأعضاء هيئة تدريس في نظام الخدمة المدنية، الذي يختلف عن نظام المعلمين في التعليم العام بكافة مضامينه، ولذا فإن ربط التعليم العالي في إدارته العليا بالتعليم العام يُخِل بأداء كلا القطاعين، ويُضعف من الاستقلالي­ة المطلوبة للجامعات والتي تمكنها من الارتقاء بمخرجاتها ومهامها الأساسية المطلوبة منها والتي تتحدد في التعليم، البحث العلمي، خدمة المجتمع من خلال المسؤولية الاجتماعية، وذلك يتطلب تأسيس »مجلس أعلى للتعليم العالي«، إن لم يكن وزارة ليقوم بالإشراف الكلي على الجامعات في مسيرتها التعليمية، وأن يتم التنسيق بين التعليم العالي وبين التعليم العام من خلال إدارة معنية بذلك في كلا القطاعين تقوم بالمهام المطلوبة، ويمكن عبرها تحقيق التوجهات التي تخدم سياسة الدولة واستراتيجي­تها في النهوض بالتعليم وتكامله بصفة عامة والارتقاء بمنجزاته، ولا يقتضي تحقيق ذلك ضم التعليم العالي برمته تحت مظلة التعليم العام، كما يمكن دعم منظومة التعليم بكامل قطاعاته من خلال »هيئة عليا لتقويم التعليم« تكون معنية بالمتابعة لمستوى الأداء والمخرجات وتقويم مدى الإنجازات، وهيئة أخرى معنية »بتطوير التعليم«، وذلك يشمل كافة قطاعات التعليم، كما هو في بعض دول مجلس التعاون.

أما وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فنجد أن هناك تبايناً كبيراً بين مسؤولياتها كوزارة معنية بنظام العمل والعمال وتنظيم سوق العمل وآلية التوظيف والتوطين والبرامج الملحقة بها، وبالعمالة الوافدة وما يتصل بها من إشكاليات وما يتعلق بذلك جميعه من تشريعات وقوانين مجتمع ووطن يحميهم ويحقق آمالهم وحاجاتهم، بما يوفره من أماكن ترفيه واستجمام تمكنهم من قضاء أوقات فراغهم الكثيرة وتحقق لهم فرصة التعارف والتآلف الاجتماعي، بما يحقق رضا وتفاؤل بالحياة التي يعيشونها والمجتمع الذي ينتمون إليه، ورعاية الأحداث، والحماية الاجتماعية، ومكافحة التسول، هذا بالإضافة إلى ما ينضوي تحت مظلة هذا القطاع من مسؤوليات احتواء ومتابعة لمشمولي الضمان الاجتماعي ومتطلباتهم،

ونظراً لما يعانيه سوق العمل من إشكاليات وخلل في مساره العملي من حيث احتواء الأيدي العاملة الوطنية وتنظيم سوق العمل لصالح التنمية البشرية المواطنة، أو تنظيم تدفق الأيدي العاملة الوافدة وتقنين مزاحمتها واستئثارها بالفرص الوظيفية في القطاع الخاص، وما تتضمنه اللوائح من ضعف في موادها التشريعية والتنظيمية التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التوطين الفعلي أو توفير الأمان الوظيفي للمواطن والمستند على أسس تنظيمية للعمل والعمال، فإن حجم المسؤولية التي تتحملها تلك الوزارة في ظل جميع تلك الإشكاليات المرتبطة بسوق العمل والتي عجزت الوزارة عن تحقيق إنجاز يذكر فيها لسنوات مضت، ينعكس سلباً على مساهمتها في تحقيق نمو اجتماعي وازدهار اقتصادي يتولد عن تصحيح واقع سوق العمل وما يلحق به من إشكاليات؛ ولذا فإن استقلال كلا القطاعين (التعليم العالي، والتنمية الاجتماعية) مطلوب وبِقوة أملاً في تحقيق الأهداف المرجوة من وزارة التعليم، ووزارة العمل، كوزارتين معنيتين بالتعليم العام وجودته، وبسوق العمل وتنظيمه وضبطه وحل مشكلاته، وبما ينعكس إيجاباً على التعليم العالي والتنمية الاجتماعية كقطاعين مسؤولين عن تحقيق تنمية اجتماعية تشمل كافة شرائح المجتمع المعنية به، وبما ينعكس على رفاه اجتماعي واقتصادي مأمول، وبما يخدم تطلعات رؤية 2030.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia