Al-Watan (Saudi)

ماشي عالبركة

لكي ندرك معنى الأولوية، علينا أن نلغي العشوائية من قاموسنا أولا. العشوائية في كل شيء، في القرارات، في التصريحات، في التخطيط

-

تعترينا جميعا فوضى عارمة في شتى جوانب الحياة، تُفقِدنا جزءا كبيرا من وقتنا، وتحمّلنا أعباء جديدة تزيد من تخبطنا وتشتتنا، لا نعرف من أين نبدأ، فنشعر أمامها بالعجز لأننا نجهل تماما أهمية الأولويات، الأمر الذي يجعلنا نتعامل معها على أنها أمور عادية لا تختلف عن غيرها.

ورغم أن مفهوم ترتيب الأولويات هو مفهوم بدهي لمعظمنا، إلا أنه -وفي خضم الضغوط اليومية- لا يتحول إلى ممارسة بدهية بالضرورة، فهو شبه غائب، ربما لغياب الإدراك الواعي بأهمية ترتيب الأوليات، أو لغياب المعرفة أصلا بأساليب ترتيب الأوليات، سواء بالنسبة للأشخاص أو المنظمات أو الدول بشكل عام.

وكي ندرك معنى الأولوية، يجب أن نلغي العشوائية من قاموس إستراتيجيا­تنا أولا. العشوائية في كل شيء، في القرارات، في التصريحات، في التخطيط، حتى اننا أصبحنا نزاولها في إصلاح ما فسد »رقع بالعشوائية« وستحل القضية!. بالعربي »ماشين عالبركة«.

فالشيء العشوائي -أيّا كان- يشكّل ضررا ملحوظا على الجميع، فمثلا المشاريع العشوائية وعدم التخطيط سيولدان خللا كبيرا في عملية التنمية، ولن يتحقق التوازن التنموي المرجو من إقامة تلك المشاريع!.

والمسؤول العشوائي في قراراته لا يقل ضررا عن ذلك، بل هو لبّ الضرر الناتج عن تلك الممارسات، كما هو معروف عند المختصين في علم الإدارة.

فالدراسة العشوائية، والمباني العشوائية، والطرق العشوائية، والغذاء العشوائي، والوصفة العشوائية، والقرار العشوائي، وغيرها، كلها من السلبيات التي تُعيق كل إنجاز وتطور وتقدم يرجى في شتى المجالات!

حتى البشر أنفسهم، تجد منهم من يخضع للعشوائية في حياته وأهدافه وطريقة كلامه وتخطيطه وتعامله مع الناس، فيسير على نهج عشوائي لقتل النظام الحياتي.

صنّف ادوين بلس في كتابه »GET ‪THINGS DONE‬ « أبجدية ترتيب الأولويات، وحصرها في كلمة »أبجدية« المشتقة من »أ. ب. ج. د« وكان تلخيصها كالتالي:

• الأولوية (أ): خاصة بالأعمال الهامة والعاجلة، وهي التي ننجزها خلال إدارة الأزمات أو بأسلوب المطافئ، التي لا تتدخل إلا بعد اشتعال الحريق. ويركز معظمنا على هذا الأسلوب، لأنه لا يحتاج إلى تخطيط، أو لأننا مجبرون على ذلك.

• الأولوية (ب): خاصة بالأعمال الهامة وغير العاجلة، وهي الأعمال التي ننجزها والرؤية التي نصوغها، من خلال التخطيط الإستراتيج­ي وإدارة المستقبل. ويتجاهل معظمنا هذه الأولوية لأن نتائجها بعيدة المدى، ولأننا نعتقد أنه لا داعي للتخطيط ما دام العمل يسير بشكل مقبول.

• أولوية (ج): تتعلق بالأعمال العاجلة وغير الهامة، وهي الأعمال التي ننجزها لإرضاء الآخرين، أو لعدم إدراكنا ضآلة قيمتها، أو لأننا غير مدربين على إدارة الذات واستثمار الوقت، كمورد إستراتيجي ومجال للمنافسة.

• الأولوية (د)، وهي تتعلق بالأعمال غير الهامة وغير العاجلة.

وهذه الأنشطة لا تدخل في صميم العمل، لأنها نتاج الوقت المهدر والمجهود الضائع، هذه الأولوية السلبية التي تسود في المجتمعات المتخلفة، يمكن القضاء عليها بالتخطيط المسبق، واستثمار جزء من الوقت المتاح في الأولوية (ب)، لوضع سياسة يكون ضمن أولوياتها التخلص من الأنشطة (د).

لذا، فإن إعادة ترتيب الأولويات، والتخطيط بعيدا عن العشوائية، وهدر الوقت على المسائل الشكلية، هي حلّ عملي يخرجنا من مآزق قد نقع فيها نتيجة الفوضى وما تخلقه من تعقيدات وعراقيل، تسهم بشكل كبير في تغيير مجرى حياتنا، الأمر الذي يجعلنا نكتفي بعدد قليل من الإنجازات، والسبب في ذلك أننا سمحنا للعشوائية أن تحركنا كما تشاء، فتصبح بذلك جميع شؤون حياتنا عرضة للتقلبات والمصادفة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia