Al-Watan (Saudi)

أتباع إيران وعبيد السلطان

-

يخرج ملالي طهران، يصرخون ويلطمون ويرفعون شعارات أكبر من عمائمهم »الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، الموت للقوى الإمبريالي­ة الصهيونية، ويا حسين، ويا إمام آخر الزمان« إلخ، من هذا الصراخ والخطب التأجيجية العاطفية التي تستقطب الأتباع الذين يجرون الحشود خلف الولي الفقيه، فما لهؤلاء العرب بملالي الفرس؟ وما لملالي الفرس بعلي والحسين العرب القِحاح؟! وعلى الجانب الآخر، يخرج »إردوغان« ليتحدث إلى شعبه مبتدئا الحديث بالبسملة فالصلاة على النبي، ثم يتحدث عن الشأن التركي الداخلي، ورغم أن المتحدث تركي والجمهور أتراك ومحور الحديث عن الشأن التركي الداخلي إلا أن الراقصين من حوله، يتمايلون طربا على أحاديث لا ناقة لهم فيه ولا جمل!

قد يجد الباحث بعض العذر لأتباع إيران، خصوصا أن مشروع الولي الفقيه توسعي قائم على تأجيج من هم في الخارج على أوطانهم، الأمر الذي يجعل ملالي طهران يعتكفون بالكلية على استمالة من في الخارج، قد نجد بعض العذر هنا، لكن ما عذر عبيد السلطان وهم ينصبون سلطانهم خليفة على المسلمين بالإكراه؟! الرجل لم يطلب ولم يلمح إلى أن أهدافه توسعية، كل أحاديثه تؤكد أن همه فقط هو إعلاء الشأن التركي الداخلي، ولا شك أنه ناجح في إدارة دولته، وأن نجاحه محل تقدير وإعجاب، وكلنا نفرح بازدهار دولة مسلمة، فـ»حلوا عنه وحلوا عنا«،! لكنهم لا يتركونه ولا يتركوننا.

حين يصل الأمر بأتباع الولي الفقيه والمتيمين بالسلطان إلى هذا الحد، هنا نقول إن مشكلة الطرفين مشكلة نفسية بامتياز، مشكلة تتمثل في فقدان حاد للهوية وللقيمة الذاتية، وإنسان فاقد للهوية وللقيمة الذاتية هو إنسان تائه يبحث كالممسوس عن أي صنم ليعتكف أمامه، وسواء تعمد الآخر »الصنم« أن يخطب ود هؤلاء التائهين أو تعمد لفظهم والتبرؤ منهم، في الحالتين سيقبلون عليه عاكفين خاضعين طامعين في تبني هويته التي لا تمثلهم في شيء، إن الفراغ الناتج عن فقدان الهوية يفعل بالإنسان أكثر من هذا، يدفعه دفعا أن يدخل مزاد الهويات ليبحث لنفسه عن أي هوية والسلام، وإن الحديث هنا ليس عن الارتباط مع الآخر ثقافيا ووجدانيا وأخلاقيا وإنسانيا، فهذه المشتركات الإنسانية عابرة للحدود، إنما الحديث عن الدعوة إلى الانتماء للآخر بالكلية، عن محاولة الارتماء في أحضان الآخر بحثا عن الخلاص.

بالأمس مكث البعض داخل ثكنات العسكر، ثم عادوا إلينا قوميين عروبيين، وبدؤوا يبشرون بأن الخلاص كل الخلاص في تبني القيم الناصرية، وآخرون ذهبوا إلى أزقة باريس وطافوا شوارع الغرب، ثم عادوا للتبشير بأن الانسلاخ عن الذات وتبني الهوية الغربية على علاتها هو طريقنا للخلاص، المشكلة ليست في الآخر فقط، إنما في أن بيننا من لا يزال إلى اليوم تائها ضائعا، يشعر بفراغ عميق يحاول أن يملأه بتبني هوية الآخر، لهذا لا يزال البعض يذهب ليُقبِل عمامة الولي الفقيه وهو يمني النفس بألا تتوقف ثورته الطائفية إلا عند الحجر الأسود، لهذا يشعر بإحساس عميق بالتيه والضياع، وإن تيه هؤلاء وضياعهم والفراغ الذي يعيشون فيه قد أربكنا كثيرا، وأدخلنا في جدالات عقيمة وصراعات لم نجن منها خيرا، ولا بد أن يدرك هؤلاء التائهون أن العالم اليوم لا يحترم التائهين، فالباحثون عن هويات لا تمثلهم ليسوا بالجهل وتكتسب بالمعرفة، أن يعرف الإنسان وطنه حق المعرفة فسيكتسب هوية تُغنيه وتكفيه، ولا عذر اليوم لمواطن سعودي أن يتخبط خارجا ليبحث عن أي مجد يتعلق به ويتبناه كهوية له، فالمجد هنا، في رمال هذا الوطن، في تاريخه، في الحضارات التي مرت من هنا وتركت آثارها، في الشخصيات العظيمة التي نبتت من طينة هذه الأرض، في الحرمين الشريفين، في خدمة الحجيج، الهوية تُكتسب بالمعرفة، بمعرفة المواقف الصادقة لقيادات هذا البلد، ووقفات هذا الشعب مع كل محتاج، ووقوف الجنود سدا منيعا في كل جد، بمعرفة القضايا الإنسانية التي ساندتها السعودية، والقضايا العربية التي خاضت لأجلها الأمرّين، بدءا من حرب أكتوبر حتى عاصفة الحزم. لا بد من مشروع وطني يهتم بنشر وإرساء كل هذه المعرفة، فمن المحزن أن يبحث أحدهم عن هوية له في الخارج ولديه هذا الوطن.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia