Al-Watan (Saudi)

السحر في وعي المجتمعات الإسلامية

هل يستطيع الخطاب الديني إعادة قراءة وفهم النصوص الدينية التي تتعلق بالسحر وغيره من جديد؟ فالقرآن الكريم يثبت أن السحر وَهْمٌ وخرافة

-

ما تزال قضية المرأة المتهمة بالسحر في مدينة الرياض تتفاعل في أوساط المجتمع السعودي بين مستنكر ومتعجب، على الرغم من الإفراج عن المتهمة، إذ تبين »أنها كانت تقوم بطباعة بعض الأوراق في إحدى المكتبات، وهي عبارة عن محاضرة ألقاها أحد المختصين، وتتحدث عن العلاج بالطاقة«.

قصة تلك المرأة وما حدث لها تبين وجود إشكال يعانيه المجتمع، تتضح خلال ردة الفعل العنيفة تجاهها، سواء من مصور المقطع أو غالبية الناس، وسرعة اتهام المرأة بالكفر والشرك بالله، وضرورة إيقاع أقصى العقوبات عليها، ومنها الإعدام، دون تحقيق أو حتى محاكمة!.

تنتشر بين الناس حكايات وقصص غريبة عن السحر والمشعوذين، فالبعض ربما يعاني أمراضا نفسية أو جسدية، فيذهب إلى الراقي ليقرأ عليه القرآن، ثم يتبين أنه مسحور من فلان أو فلانة، فتتم عملية البحث عن مكان السحر وفكّه، ليتضح فيما بعد أن السحر عبارة عن أوراق مكتوب عليها طلاسم وأرقام وألغاز، ومجموعة من أثر المسحور كالشعر أو الأظافر وبعض الخيوط المعقودة، كما أن عملية فكّ السحر تخضع لقواعد وضوابط معينة يجب أن يسلكها الراقي حتى يتم شفاء المريض تماما، وليس هذا وحسب، بل ربما يذهب البعض إلى السحرة أنفسهم لفك السحر عنهم وعلاجهم، بحكم معرفتهم في هذا المجال.

وعلى هذا الأساس، يرى الناس السحر أنه »عمل وتأثير يسعى الساحر خلاله إلى قلب الحقائق، فيرى المسحور الشيء على غير حقيقته«، وهذا النوع من السحر يعتمد على الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم شياطين »الجن«، فيتصل الساحر بهم خلال الرقى والدخن والكفر بالله، وعندما يتحقق الاتصال تحصل الاستعانة ثم الإعانة!، وبناءً على ذلك أصبح السحر تجارة رائجة تدر على أصحابها أموالا طائلة من الرقاة أو السحرة، وأمسى كلاهما يحاول إثبات أن السحر حقيقة وليس كذبا وخداعا، وأن المشعوذين بإمكانهم الاستعانة بالجن والشياطين، وإرسالهم إلى الناس فتضرهم وتمرضهم وتشاركهم في المأكل والمشرب، وربما تسرقهم أيضا، فيتلقف السحرة والمشعوذون هذه الأقاويل ليثبتوا للناس أن بإمكانهم نفعهم وضرهم.

إذا أردنا أن نفهم هذا الإشكال الاجتماعي وتصديق الناس بالسحر والخرافات عموما، والتي أثرت على حياة الناس ليس البسطاء وحسب، وإنما طالت حتى المتعلمين والمثقفين على حد سواء، فهذا الإشكال يعدّ أحد العوامل المهمة التي تفسر أسباب العنف والغوغائية، والتخلف والفوضى في المجتمعات، والسحر والشعوذة مجرّد نموذج أو مثال يمكن خلاله إدراك هذه المشكلة التي يمكن أن تنطبق على إشكالات أخرى، مثل الطائفية والتعصب الديني وعدم سيادة القانون، والإرهاب والتطرف والفساد الأخلاقي عموما، لذلك من الضروري أن نتعرّف أولا على تاريخ السحر وتصور المجتمعات الأخرى له، وتأثيره في الأديان المختلفة على مر العصور.

يعدّ السحر من الظواهر القديمة التي عرفتها البشرية منذ قرون، فعلى سبيل المثال يقول أحد الباحثين عن سبت الساحرات بأنه »معتقد خرافي شاع في أوروبا بالقرون الوسطى، بأن الساحرات يجتمعن في بعض ليالي السبت في أماكن نائية، من أجل ممارسة شعائر وطقوس تكرس لتبجيل الشيطان وخدمته، ويسحقن الصليب تحت أقدامهن، خلال هذه الطقوس تقوم الشياطين بتعليم الفتيات التعاويذ السحرية«، ويقول أيضا: »أنشأت السلطات الدينية المسيحية ممثلة في الكنيسة الكاثوليكي­ة، ما تعرف بـ»محاكم التفتيش«، تمثلت في فرق من الكهنة والرهبان المسيحيين الأتقياء والمتخصصين في الكشف عن السحر، تمثلت مهامهم في تعقب من يعتقدون أنهم سحرة ومهرطقون ومعاقبتهم، وأحرقت هذه المحاكم مئات الأشخاص أحياءً، غالبيتهم من النساء«.

وبالطبع، فإن تعذيب وقتل الساحرات من الكهنة والرهبان، يستند إلى نص ديني موجود في الكتاب المقدس، وهو »لا تدع ساحرة تعيش«- سفر الخروج – الإصحاح الثاني 22-18، والهدف من محاكم التفتيش التي نصبتها الكنيسة لمن تسميهم »السحرة« و»المهرطقون« أو »الزنادقة« هو من أجل توسيع سلطانها، وتثبيت ولايتها.

و بناءً على ما سبق، فقد تأثرت بعض المجتمعات الإسلامية بتلك النظرة السائدة عن السحر والمجودة في العصور القديمة، وبالتالي تأثر بعض الفقهاء بتلك المفاهيم، وانعكس على فهمهم نصوص القرآن الكريم التي تتحدث عن السحر، فظهرت تفسيرات تؤكد أن السحر حقيقة، وأنه عبارة عن استعانة بالجن والشياطين، على الرغم من أن القرآن الكريم يثبت بوضوح أن السحر مجرّد خداع ووهم، يقول الله عزّ وجل: »وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أتَى«، كما أن الساحر والشيطان ليس لهما سلطان على أحد من الناس، إلا على من اتبعهم وصدّقهم فيما يقولون ويفعلون.

يقول الله عزّ وجل: »إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ« النحل99. »إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ« النحل100.

وفي هذا الصدد يقول القاضي عبدالجبار، »إن السحر في الحقيقة لا يوجب المضرة لأنه ضرب من التمويه والحيلة…«، ويقول أبو منصور الماتريدي: »والأصل أن الكهانة محمول أكثرها على الكذب والمخادعة، والسحر على التشبيه والتخييل«، ويقول ابن حزم: »… وقد نص الله عز وجل على ما قلنا فقال تعالى: »فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى« )طه:66)، فأخبر الله تعالى أن عمل أولئك السحرة إنما كان تخيلا لا حقيقة...«

لعل قصة تلك المرأة التي اتهمت بالسحر في مدينة الرياض تدعو إلى التفكير مليا في هذه المشكلة، فهل من وقفة جادة من العلماء ورجال الدين والمثقفين للتحذير من سلبيات الخرافة، واجتناب مخاطرها على الفرد والمجتمع؟، هل يستطيع الخطاب الديني إعادة قراءة وفهم النصوص الدينية التي تتعلق بالسحر وغيره من جديد؟

فالقرآن الكريم يثبت أن السحر وَهْمٌ وخرافة، ولكن البعض يثبت أنه حقيقة وموجود!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia