Al-Watan (Saudi)

مجتمع سطحي

-

عندما لا تحركنا سوى الإشاعات والأخبار المثيرة، عندما نتفاعل مع القضايا من خلال الظاهر فقط، ولا نتعمق لنصل إلى جذور المشكلة، عندما نهتم بالأعداد فقط من منظور ربح أو خسارة، عندما نخضع لرأي المجاميع دون دراسة أو تحليل أو حتى تأكد، عندما يكون التمييز بالكم وليس بالكيف، عندما تكون السمة الرئيسية في الرأي هي التقلب، عندما نتعامل مع الأعداء كالموضة، كل فترة نفصل عدوا جديدا، عندما نصادق للمصلحة ونعادي للمصلحة، عندما نعتبر الاستغلال والغش والتعدي شطارة والصدق والأمانة غباء وضعفا، عندما نتلاعب بالألفاظ والمفاهيم لتتماشى مع غاياتنا، عندما نفرض الرأي على أنه حقيقة والفرضية على أنها واقع، عندما لا نفكر بتأثير أي قرار نتخذه إلا من خلال المنفعة الشخصية، عندما تكون مشاعرنا عرضة للاستغلال من قبل من يعرف كيف يحرك أشرعتها، عندما يطربنا النشاز وتأسرنا السخافة والابتذال، وعندما لا نفكر بتأنّ وعمق، نكون يا سادة يا كرام مجتمعا سطحيا بامتياز!

صاحب الفكر السطحي هو ذاك الشخص الذي يفتقر إلى العمق الفكري والفضول، تعود على ألا يُعمِل عقله وإن فعل فيكون من أجل الفائدة الآنية، بمعنى أنه إن ضغط زرا هنا سيرى الناتج هناك، وبهذا يتوقف اهتمامه فيما سيأتي بعد ذلك من تأثيرات! إنه ذاك الشخص الذي لا يفكر بما وراء اللحظة أو أبعد من ذاته؛ دائرة اهتماماته! يتعامل مع »نحن« كتابع يوهم نفسه بأنه قادر، بينما حين يواجه منفردا يظهر عراء فكره، فيلجأ إلى الهجوم المعاكس والشخصنة، يتسرع في الحكم، ويأخذ بالقشور، بالنسبة له الظاهر كالباطن، وما خفي يتبع فقط تفسيره للنيات، لا يتقن كيفية اتخاذ القرار، فليست لديه آراء شخصية عن أي شيء بالطبع بما أنه تابع، لا يغير طريقه أو رأيه إلا إذا غير القائد رأيه أو طلب منه ذلك، توقعاته غير واقعية لأنها غير مدروسة، وعندما لا تتحقق يشعر بخيبة الأمل، وقد يتحول إلى شرس ومعتد، أما تقدير الذات فتجدها منخفضة لديه، لذا يستطيع أي شخص متمكن من السيطرة عليه والتحكم به، وإن كانت لديه موهبة ضاعت مع استغلال الآخر له؛ تماما كالفنان الذي يطربه تصفيق الجمهور أو الأديب أو الكاتب الذي يشده إطراء المتابعين، وبدلا من العمل

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia