Al-Watan (Saudi)

لقاء المصالح المشتركة

Opinion@alwatan.com.sa فاكس: 0172273756

- خالد الجريسي

استقبال حافل حظي به الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث استقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، استقبالا رسميا صار حديث الناس والصحافة والإعلام في الداخل والخارج، وهو ما يعكس طبيعة الشخصية السعودية المضيافة الكريمة، ويؤكد مكانة الدور الكبير للولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها صاحبة أقوى اقتصاد في العالم، ورائدة القوة العسكرية الأولى. والحدث الأبرز في زيارة الرئيس ترمب لنا كاقتصاديين، هو حجم الاستثمارا­ت المتبادلة بين البلدين، والذي تم الكشف عنه في ثنايا الزيارة، حيث أعُلن عن توقيع اتفاقيات تعاون عسكرية بين المملكة وأميركا بقيمة إجمالية بلغت 460 مليار دولار، منها 110 مليارات دولار بشكل فوري، و350 مليار دولار على مدى 10 سنوات قادمة، ومن أهم ما تضمنته هذه الاتفاقيات العسكرية هو العمل على توطين الصناعات العسكرية في المملكة.

كما تم توقيع الرؤية الاستراتيج­ية المشتركة بين البلدين، وتوقيع عدد من الاتفاقات الثنائية بين المملكة وأميركا بقيمة تتجاوز 280 مليار دولار، ستوفر آلاف الوظائف للجنسين، فضلا عن عدد كبير من الاتفاقيات التجارية في مجالات التقنية والطاقة والبتروكيم­اويات، واتفاقيات مع شركات أرامكو وسابك ومعادن وشركات الخطوط وغيرها، وعدد من الوزارات والقطاعات الحكومية.

أما صندوق الاستثمارا­ت العامة فأعلن -عبر شراكة مباشرة مع Softbank- إطلاق صندوق رؤية سوفت بنك، والذي يعد أكبر صندوق متخصص بالاستثمار في التقنية في العالم، بقيمة بلغت 100 مليار دولار، وسارعت عدد من الصناديق السيادية في العالم -منها صندوق مبادلة التابع لحكومة أبو ظبي- إلى المشاركة مباشرة في هذا الصندوق، ثقة منها في مكانة المملكة الاقتصادية، وإيمانا منها بجدوى الصندوق.

وإذا أردنا أن نوجز الوصف لهذا اللقاء التاريخي بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وبين الرئيس ترمب، فيمكننا أن نطلق عليه لقاء »المصالح المشتركة«، حيث اتفقت رؤية البلدين على تعزيز المواقف السياسية المتمثلة في مواجهة التحدي الإيراني وأذرعته الإرهابية، وإعادة التوازن في المنطقة، والعمل المشترك للقفز بالاقتصاد وتوفير البيئة الجاذبة للرساميل المتدفقة بين البلدين، بما يضمن مزيدا من الفرص الوظيفية والنمو الاقتصادي والعوائد المجدية على المدى المتوسط والبعيد.

ولا شك أن لدى المسؤولين في المملكة رغبة جادة طموحة في فتح آفاق الاستثمار للشركات العالمية العملاقة، وعلى رأسها الشركات الأميركية، وهو ما عبّرت عنه رؤية 2030 بصراحة، وأيضا جسدته الاتفاقات التجارية الثنائية على هامش زيارة الرئيس ترمب، ومما سيعزز من قيمة هذه الاتفاقات ويزيد من جدواها، هو أن تعمد الجهات التشريعية إلى تهيئة بيئات سلسة من التنظيمات والتشريعات والقوانين، تتيح لتلك الاقتصادات العملاقة أن تدخل إلى المملكة دون أن تضع في حسبانها أي معوق نظامي يؤثر على سلاسة أدائها.

وإلى هذا أشار وزير التجارة الأميركي ويلبور روس قائلا: إنني متشوق لخطوات المملكة في تخفيض القيود التشريعية، وهي خطوة نقوم بها في واشنطن، ويسعدني أن توجهاتنا تتزامن.

نحن إذًا أمام منعطف تاريخي مهم وحيوي، وتحوّل نوعي واستراتيجي في طبيعة اقتصادنا المحلي، والذي يطمح ولاة أمرنا -وفقهم الله- إلى جعله اقتصادا منتجا فاعلا، يكون النفط فيه أحد مصادر الدخل المحلي، بدلا من كونه المصدر الوحيد، ومثل هذه الاتفاقيات الضخمة مع الكيانات الاقتصادية العالمية، سواء كانت دولا أو شركات، سيعزز هذا التحول، ويسهم مع مرور الوقت في زيادة إيرادات المملكة غير النفطية، ويخلق كثيرا من الوظائف المباشرة وغير المباشرة، ويحفز القطاع الخاص للنمو وزيادة مشاركته في الناتج المحلي الإجمالي.

ومما يؤكد متانة اقتصاد المملكة، ونُضج خطواتها الإصلاحية، أن تكون الرياض هي أولى عواصم العالم التي يزورها الرئيس الأميركي ترمب، ويوقّع معها عقودا استثمارية بأرقام تريليونية، وأن تتهافت علينا كبريات شركات العالم للبحث عن مواطئ قدم مباشرة لها في المملكة.

نسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ ولاة أمرنا، وأن يحقق لنا مزيدا من الرخاء الاقتصادي، وأن يجعل بلدنا رائدة من رواد التغيير الاقتصادي في العالم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia