Al-Watan (Saudi)

الفيصل يستحث الهمم والفكر بالتساؤلات في إن لم... فمن..!؟

الغربة الأولى.. انفصال وعودة الغربة الثانية.. خيبات وطموح عسير.. أطع أعمامك من نحن.. ماذا نريد؟

- أبها: الوطن

بأســلوب التساؤل بدأ.. وبفن الســجع أبحر.. وبقصائد الأمس والحاضر استشهد.. وبعيداً عن الأنا.. أطلق للتجربة العنــان.. تلك التجربة التي لم ترتد ثــوب القصة.. أو تتدثر ببردة الرواية.. بل تجربة إنسانية.. كُتبت بإحساس شاعر.. وخبرة رجل دولــة.. سرد رحلته من الميــلاد إلى الكهولة.. متطرقاً إلى الشــخوص المؤثرة.. والبيئة المُشكّلة.. والظروف حُلوها ومُرها.. تجارب مسنودة بكل العوامل التي أقحمته في ميادين التحدي.. ودفعته إلى خوض غمار التجربة.

تلك عناوين عريضة لكتاب مستشــار خــادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكــة المكرمة الأمير خالد الفيصل، الذي يحمل عنوان »إن لم... فمــن..!؟.. الكتاب الذي صدر حديثا.. وفي دور النشر حط رحاله.. ناثراً على صفحاته أدوات الاستفهام؟ تلك الأدوات التي تُعمل العقل.. فعمد المؤلف إلى طرح الاستفهاما­ت التي تتساءل عن المعنى في الحياة.. وعن الحكمة في القرار.. وعن القيم في المجتمعات.. ليحفّز بذلك.. فن التأمل الجوهري للنفس البشرية.. ودافعها للاستكشاف. في البدايــة.. وتحت لماذا؟ برر الفيصل ســبب الكتابة.. فتبرأ من تدوين مذكراته أو تجربة شــخصية.. ونفى أن يكون الحديث عن ســيرة ذاتية.. بل أقرّ بأنه ومضات من مراحــل الزمن.. التي لم يخترها بل اختارته.. وحكى عن مستقبل لم يرسمه بريشة الفنان.. بل كانت تحديات وجب عليــه تخطيها.. فكان لزاماً عليه الوقوف لمنازلة الصعــاب.. وترويض جموحها.. والاســتمت­اع بهزيمتها.. ولسان حاله يقول: أحب أعســف المهرة اللي تغلا.. وأحب أروض كل طرفٍ يموقي. ولنبدأ مع الفيصل رحلة التأملات في كتاب »إن لم... فمن!..؟« ذي الــ215 صفحة.. فقد جاء ميلاد »المؤلــف« قبل نحو 8 عقود.. كانــت الصرخة الأولى.. إيذانا له بالخروج من رحم الســكون إلى عالم التحديــات.. وأقدس البقاع على وجه الكوكب كانت له مهداً.. تلك البقعة التي لم يدر في خلد »خالد«.. - الذي أســماه جده الملك المؤســس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه - أنه سيكون لها أميراً.. والتي تغنى فيها شعرا. في محطــة الغربة الأولى.. بدأت تفاصيل »إن لــم... فمن!..؟«.. التي شهدت باكورة لبنات التحوّل والتشكُّل.. فعند عمر السنتين.. انفصلت والدة خالد الفيصل - يرحمها الله - عن والده.. فكانت الأحســاء لـ هيا بنت تركي بن عبدالعزيز بن عبدالله، وله ولشقيقه سعد الفيصل يرحمه الله وجهة.. فانتقل برفقتها إلى معقل الحزم والصرامة. يســترجع المؤلف شريط تلك الحقبة: أتذكر مجالس الأمير ســعود.. والهيبة كأنها الطير على رؤوس الجالســين.. تتفــادى عينه نظرة الناظرين.. وتتلعثم ألســنة الجالســين، هناك.. نهــل »خالد« عدل الحكمة وقوة الهمة.. وفصاحة الكلمــة.. لكنّ التحوّل الأكثر تأثيراً.. كان في سن السادســة.. حيث حطّت في الأحساء طائرة.. ترجل منها رجلان.. فكانت أول مرة.. يرى فيها جده المؤسس.. ووالده فيصل – يرحمهما الله -.. ذلك الموقف بقي راســخاً في عقل »الكاتب«.. فرغم تقادم السنين.. إلا أن المشهد لا يزال في الوجدان باقيا. على أعتاب هــذا الجزء من »إن لم... فمن!..؟»اســترجع الأمير خالد الفيصل تأثير والده.. وبُعد نظره.. كيف لا.. وهو اليافع الذي اختاره الملك عبدالعزيز يرحمه الله في سن الثالثة عشر من العمر.. على رأس وفد إلى بريطانيا وفرنسا.. تحدث«المؤلف»عن الخبرات التي صقلتها التجارب.. ونشأة الملك فيصل في بيت جده لأمه.. كبير العلماء ومفتي البلاد حينها.. اســتعرض المناصب التي تقلدها.. وجعلت منه قائداً فذاً.. وفارساً شــجاعاً.. تطرق إلى فكره المستشرف للمستقبل والذي دفعه إلى إنشاء المدرسة النموذجية في الطائف.. فانخرط فيها«خالد».. ونال قصب السبق بين أقرانه، فحصل على الشهادة الثانوية.. لتتفجر الأحلام التي ما لبثت أن اصطدمت بمفاجآت الحياة وصدمات الواقع. حمل الأمير خالد الفيصــل أحلامه، وانطلق بها إلى الولايات المتحدة.. وهناك كانت الرحلة مليئة بالشــخصيا­ت التي أثرت فيه.. يتذكر أنه كان لاعــب كرة قدم ماهرا.. لكن رحلته تلــك التي أخذت من عمره أربع ســنين.. انتهت بمفاجأة.. فقد تاهت الأحلام بين اللعب والجد.. لم يتحمّل البقاء.. فقرر الانسحاب.. وحزم الحقائب عائداً إلى المملكة. في أحد أيام شهر صفر من عام 1391 رن جرس الهاتف.. على الطرف الآخر محمد العبدالله الفيصل تارة.. والملك خالد بن عبدالعزيز أخرى.. وثالثة الأمير سلمان بن عبدالعزيز – حين كان أميرا للرياض.. جميع تلك الاتصالات كانت تزف خبر تعيينه أميراً لعســير.. وكان اللقاء بالملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله خارطة الطريق التي انطلق منها للتنمية.. لكن الفيصل أبى إلا أن يكون لوالده كلمة.. فحرص أن يحصل منه على توجيه.. وأن يحظى منه بنصيحة.. فدار بينهما حوار: قلت: بماذا توجهني يا سيدي؟ قال: أمرك بيدك افعل ما تشاء.. وبعد إصرار أعطى الملك فيصل لابنه الوصية.. التي كانت ولا تزال منهجاً أبى الأمير خالد الحياد عنه.. قال له: أطع أعمامك.. ثم زاد قبل المغادرة إلى عسير أوصيك بمخافة الله.. وإرضاء الضمير. وفي هذا الجزء من الكتاب.. اختصر الأمير خالد الفيصل مشــاريع عســير في كلمة أوردها في الكتاب، وألقاها أمام الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – ولي العهد حينها - ثم عرّج على أولويات ومبادرات عســير فكراً وتنمية.. وقبل أن يسدل«الكاتب»الستار على هذا الجزء بابتســامة ويمشي.. مرّ سريعاً على الحرب الفكرية التي خاضها.. والصحوة ونشأتها.. وهجوم أهل التكفير والغلو عليه. حبى الله المملكة ميزات عدة.. وخصها قيادة وحكومة وشعباً بســمات فريدة.. فنحن لأقدس البقاع جيران.. ولضيوف الرحمن خدّام.. دستورنا القرآن والسنة.. تلك عوامل تجعلنا متفردين، وذلك ما ركز عليه الأمير خالد الفيصل تحت تساؤل »من نحن..؟«.. فدعّمه بالشواهد منذ تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله وحتــى اليوم.. وفي ثنايا هذه الجزء وتحت تســاؤل »ماذا نريد..؟« لم يشأ الفيصل أن يطرح إجابات.. بل أجاب عن الأسئلة بأسئلة ليحفّز الفكر.. ويدفع النفس البشرية.. إلى البحث والاكتشاف.. ولعلها مســاحة تركها أمام القارئ ليشارك في طرح الرؤى التي تساعد في تشكيل الشخصية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia