Al-Watan (Saudi)

كيف اختفت هذه المرأة

-

عندما خرجت من بيتها ذلك الصباح المدني كانت عازمة على صناعة التغيير، ألقت بنظرها نحو الرجل الحزين البائس الجالس في فناء المنزل، موقنا أنه الفراق بعد أن استفزه الشيطان وهو ابن عمها وزوجها، فألقى عليها كلمة يعرف العرب أن معناها الفراق. تأملته قليلا، ثم مضت نحو بيت قائد الأمة وهمزة الوصل بين الأرض والسماء في التشريع، جلست أمامه تحكي ما حصل، فبادرها قائلا بحسم ما »ما أراكِ إلا قد حرمت عليه،« ليخترق قرار المصطفى صلى الله عليه وسلم قلبها فيقسمه إلى نصفين، لتخرج منه امرأة أخرى، قررت ألا تخرج حتى تغير هذا القانون، ولا تجعل حياة النساء ترتبط بكلمة قامت على باطل وبباطل. تقول عائشة رضي الله عنها، إنها لم تع أكثر ما كانت تقوله المجادلة خولة بنت ثعلبة، وهي تدافع عن حق أسرتها بالاجتماع، لكن كان هناك حزن كثير أبكى البيت كله، وما زال الرسول صلى الله عليه وسلم يردد نفس القرار، فالمشرع هو الله وليس الرسول. لكن الله استمع إليها وكان له قرار آخر أنزل به سورة المجادلة، التي شجبت واستنكرت جملا كهذه تحطم العلاقات وتقتل الزواج بلغة راقية عظيمة. أذكر أنني سمعت هذه القصة في مرحلة مبكرة من عمري عندما كانت المعلمة تحفظنا سورة المجادلة، وقتها كانت تذكرنا برحمة الله عز وجل بالمجادلة وأسرتها، لكن لا أحد أخبرنا عن خولة نفسها، وكيف صممت على التغيير، وكيف أنتج تصميمها تشريعا حقوقيا حفظ للمسلمة كرامتها، وعاقب الزوج، وحفظ للمرأة أسرتها. أتساءل اليوم: هل عدم توضيح تلك النقطة المهمة حول جرأة خولة على كسر المعتاد وتصميمها على أن تكون سببا لتشريع جديد وعظيم، سببا من أسباب ساهمت في صمت المرأة المحافظة عن الحديث عن حقوقها ودورها في صناعة التنظيمات والقوانين، خاصة التي تيسر حياة النساء، وتحل مشاكلهن؟ هل هذا الغياب خوف من ردة فعل لم تخشها خولة بنت ثعلبة ذات يوم؟ أعرف أنه من الصعوبة بمكان خلق مجتمع مثل المجتمع النبوي، لكن بالإمكان صناعة نساء قويات مثل خولة، يجبرن المجتمع على أن يعود لأصوله الأولى التي تحترم رأي المرأة في التنظيمات التي لا تقبلها أو تشعر بتأثيرها السلبي في حياتها، دون أن تخشى أي اتهام في الدين أو العرض أو حتى عنف لفظي كالسخرية من عقلها وقدراتها. في رأيي المكان الأمثل لصناعة هذه المرأة هو في مراحل الدراسة الأولى، بعرض تجارب نساء عظيمات مثل خولة وعائشة رضي الله عنهما، وكذلك مستشارة النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة. كما أن حماية هذا الإعداد يجب أن يتبعه قانون تجريم العنف اللفظي تجاه المرأة، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى مقال آخر.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia