Al-Watan (Saudi)

الرحلة ترويأقدارم­سافريننجوا وآخرين احترقوا في طائرة على المدرج

رفض الركوب غفوة الانتظار

- أبها: محمد الدعفيس

يوثق كتاب »الرحلــة 163« الصادر عن دار مدارك للكاتــب منصور بن محمد العســاف رحلة الخطوط الجوية العربية الســعودية رقــم )(163) عام 1980، مقدما دراسةً وتوثيقًا وبحثًا استقصائيٍّا حول تداعيات ما حدث للرحلة، التــي ما زالت تقارير الطيرانيرن المدني تقف حائرةً أمام تناقــض النتائج وغموض المعلومات وندرة الدراسات والتقارير الخاصة بها.

وتســجل رحلة الســعودية (163) إلىلى يومنا هذا كواحدةٍ من أكبر حوادث الطيران المدني وأكثرها غرابةً، ولأنها سُجِّلت -في وقتها- كأكبر حوادث الطيرانيري­رن المدني احتراقًا، وثاني أكبر حادثةٍ لطائرةٍ فردية، إضافةً إلى ما يكتنفها من غموضٍ.

كل ذلك استدعى قراءة الحدث من جديدٍ للوقوف على حقيقة ما جرى من خلال العودة إلى التقارير الرسمية وغير الرسمية للحادثة، والعمل على جمع المعلومات من مصادرها الموثوقة والمراجع المعتبرة، ومقابلة شــهود العيان من المختصين وذوي الشــأن، وهو ما استغرق جهدًا قارب الســبعة أعوام، حاول الباحث من خلالها جمع المعلومات المتباينة، وربــط الروايات المتناقضة، وإعــادة قراءة الحادثة من زوايا متعددة، مســتندا في الحديث عن الجوانب الفنية للمختصين والفنيين، ليعمل على ربط الأحداث واســتخلاص النتائــج بعد التحقق من مصداقية المعلومــا­ت المتوفرة، وهو ما زاد من أمد الفترة الزمنية للبحث، لاســيما أنه فيٍٍ كثيرٍ من الأحيان وقف حائرًا أمام معضلة نــدرة المعلومات وبُعد العهد بالحادثة. تزامنت الرحلة مع ظروف خاصة سبقتها، منها اقتحام فئةٌ مســلحةٌ يقرب عدد أفرادها من (200) شــخص الحرمَ المكيَّ الشريف، وأغلقوا أبوابه لمدة 15 يوما بحجة ظهور المهدي المنتظر، ما أحدث ســخطًا وغضبًا عارمًا في أرجاء العالم الإســلامي، إلى أن استطاعت السلطات المحلية القبض على الجماعة المسلحة، ونفذت فيها حكم الإعدام بعد التحقيق والمحاكمة. كما ســبقتها قيام الثورة الإيرانيــ­ة التي تلتها الحرب الإيرانيــ­ة العراقية، واجتياح روســيا لأفغانســت­ان، وتداعيات كامب ديفيد، وانقلاب بتركيا بقيادة الجنرال كنعان إيفرين. بعد مغرب الثلاثاء 8 شــوال ‪)19 1400‬ أغســطس 1980) اســتقبل مطار الرياض الدولي القديم رحلة الخطوط الســعودية القادمة من مطــار (جناح) في كراتشي الباكســتا­نية، والتي حطّت رحالها في الرياض »ترانزيــت« بعد أن غادرت مطار كراتشي في الســاعة )4:32) مســاءً، وعلى متنها 84 راكبًــا، منهم (71( باكستانيٍّا والباقون من جنسياتٍ أخرى، ونزل عدد من هؤلاء الركاب في مطار الريــاض، فيما واصل أكثرهم الرحلة إلى جدة. وبعد 2.43 ســاعة وصلت الرحلة إلى مطار الرياض الدولي، أي عند الـ7.06 بتوقيت الرياض، وكان المخطط لهــا أن تقلع بعد 2.02 ســاعة إلى مطار جدة الدولي برحلــة تحلق على ارتفــاع (35000) قدم، وبحمولة كاملة من الركاب الذين بلغ عددهم (287) راكبا منهم 8 أطفــال رضّع كانوا في أحضان أمهاتهم، أي أنهم بلا مقاعد، إضافة إلى (11) ملاحا، و(3) هم طاقم القيادة في الطائرة، ليصبح العدد الإجمالي (301)، قرابة %60 منهم سعوديون والبقية من باكستان تقريبا. كان إجمالي عدد الأطفال الرضع بالإضافة إلى الصبيان )38) طفلاً وأكثر من 40 امرأة. صدر بيان أول ليلة الحادثــة تحدث عن وفاة (265( راكبا قبل الإعلان الإلحاقي في اليوم التالي، الذي ذكر أن جميع من كان على متن الطائــرة كانوا في عداد الموتى وعددهم (301.( وحين كانــت الطائرة على بعــد (78) ميلا وبارتفاع )22400) قدم عــادت بعد أن أبلغت بــرج المراقبة الجويــة بالرياض بوجود دخانٍ عــلى متنها، وطلبت العودة لمطار الرياض في تمــام الـ9.20.12، أي بعد الإقلاع بـ12.12 دقيقــةً، وأثناء العودة وعلى بعد 40 ميلاً تمّ الإبلاغ من قبلها لــبرج المراقبة الجوية بمطار الرياض عن وجود حريقٍ في آخــر مقصورة الركاب، كما أبلغت القيــادة عن تصلب الذراع الخاص بالمحرك رقم (2) الموجــود في ذيل الطائرة، حيث أصبح المحرك عالقًا لا يســتجيب لأوامر قائد الطائرة، وكان ذلك عند الـ9.25.24، لتهبط الطائرة على مدرج مطار الرياض عند الـ9.36.24، وتقطع المدرج الرئيس ثم تســتدير استدارة كاملة، لتتوقف في نهاية المدرج وتحترق وسط أرض المطار، لتسجل هذه الحادثة كأكبر حادثة طيرانٍ أرضيٍّ في وقتها. في موقعٍ آخر من صالة المغادرة، كان لسليمان بن عبدالله قصةٌ أخرى، فقد كان هذا الرجل في متوسط العمر، وكان قد طلب التقاعد المبكر من عمله، وفعلًا تمّ له ذلك، لاسيما أنــه كان أحد رجال الأعمال النشــطين، كما كان والده عبدالله بن سليمان أحد الوجهاء في مكة المكرمة. حمل ســليمان حقائبه وبعض أوراقه متجهًا إلى مطار الريــاض القديم، وكان على موعدٍ مــع رحلة الخطوط السعودية رقم (163)، وفي صالات المطار أدخل حقائبه مع أمتعة الرحلة (163)، وحصــل على بطاقة صعود الطائرة، إلا أنه سرعان ما رفض الســفر في هذه الرحلة بعد أن أبلغ بضمّ بعض الــركاب في الرحلة التي قبلها وربما تغيير موعد إقلاعها. استقلّ سليمان سيارته وذهب إلى مكة المكرمة، ولم يعلم أبدًا بمصير الطائرة، وفي ساعةٍ متأخرةٍ من الليل وصلت أنباء احتراق طائرة »الترايســت­ار«، واستطاع والده أن يتأكد من مســتجدات ما حدث في مطار الرياض، وكان على علمٍ بموعد رحلة ابنه سليمان، وتأكّد أيضًا من وجود اســمه ضمن ركاب الرحلة (163)، هنا كانت الصدمة حيث خيَّم الحزن على أسرته. وفي سيناريو مشــهد تكرر عدة مراتٍ مع ركاب هذه الرحلة، وقف سليمان في الغد يطرق باب منزل والده الذي انقلبت أحزانه مسرّات، كما انقلب مأتم العائلة إلى فرحةٍ لا توصف، أنست الجميع مصيبة سليمان في فقــدان حقيبته التي تحوي أوراقًا تجاريةً مهمة، اضطرت العائلــة تعويض أصحابها بمبالغ طائلة، ويقدر الله سبحانه أن يبقى سليمان يحكي قصته مع رحلة السعودية رقم (163) لأبنائه وأحفاده إلى أن توفي عام 2002. نبيل رضوان موظفٌ في الخطوط الجوية العربية الســعودية يعمل في مطار الريــاض، وأثناء الحادثة كان يتمتع بإجازته السنوية في جدة، بيد أنه اضطر للسفر إلى الرياض لإنهاء عملٍ خاصٍّ به، وفي صباح الثلاثاء 8 شــوال طلب من زملائه البحث له عن أقرب حجزٍ للعودة إلى جدة، وفعلًا تأكّــد له الحجز على الرحلة )163) التي من المزمــع أن تقلع من مطار الرياض عند الســاعة الـ11، وكان قد طلب من زملائه البحث له عن رحلةٍ أقرب، كي يعود في ساعةٍ مبكرةٍ، لكنهم طلبوا منه أن يضمن حجزه في طائرة الساعة الـ11، وإن تهيــأت لهم الفرصة في ضمّه لرحلةٍ قبلها فســوف يخبرونه. كان اسم نبيل رضوان من بين أسماء ركاب الرحلة (163،( لقد وجد له زملاؤه في الخطوط مقعدًا شاغرًا، وأبلغوه قبل إقلاع الرحلة بقرابة ســاعة، وتمّ تسليمه بطاقة الصعود إلى الطائرة، وحين أبُلغ بموعد إقلاعها فضّل أن يســتريح في مصلى صالــة الركاب، وهناك وضــع حقيبته اليدوية واســتلقى في باحة المصلى. كان الجهــد والتعب قد بلغا منه مبلغه، فهو لم ينم منذ ســاعاتٍ طويلة، كما أنه كان في المطار منذ الظهر، وعاد إليه باكرًا علّه يجد رحلةً أقرب من رحلته التي تمّ حجز اسمه عليها. وقبل الإعلان الداخلي عن موعد صعود الطائرة،، كان قــد غرق في إغفاءةٍ، ولم يصحو منها حتى بعد إقلاع الطائرة التي عادت إلى أرض المطار لتحترق أمام أنظــار الجميع، وفي الوقت الذي كان فيه النداء الداخلي في صالة المطار يكرر نداءاته ويطلب من نبيل رضوان مراجعة إدارة المطار، ظلّ نبيل غارقًا في نومه، وبعد عدة نداءاتٍ، وبعد قرابة ساعتين من وقوع الحادثة صحا ليتجه مسرعًا إلى بوابة السفر وتفاجأ هناك بزملائه وهم يعانقونه ويحمدون الله على سلامته.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia