Al-Watan (Saudi)

قينان: هو ونحن ومسطرة الزمن

-

في قياس مساحات حرية التعبير، تحتاج إلى مسطرة قياسات الزمن. قبل ما يقرب من ستة عقود وعلى هذه المسطرة، كتب أحد الرموز الثقافية من الآباء الكرام في مدينة أبها مقالاً في المجلة المندثرة (أخبار الظهران)، ينتقد فيه مجرد دمج الزراعة مع الماء في إدارة واحدة، وعلى ما يروي لنا بلسانه، تم سجنه لمدة شهرين وتمت إحالة راحلنا الكبير، عبدالكريم الجهيمان، رئيس التحرير إلى المساءلة. يذكر لي عبدالواحد قصة الإيقاف والتحقيق لأنه تجرأ ذات »مسطرة زمن« على اقتراح دمج المرور مع الشرطة في مقال عابر بصحيفة البلاد، وكان يتندر أن المقال والصحيفة برمتها لم يقرؤها ذلك الصباح إلا قائد شرطة بلدته، الذي تحول مع المقال إلى مجموعة »سلطات« توقف الكاتب وتحقق معه وترسله إلى السجن. كان الروائي الكبير عبده خال شاباً صغيراً، ومجرد مراسل خبري للعزيزة عكاظ في مدينة حدودية نائية، عندما أخطأ في وضع اللقب المناسب أمام اسم صاحب »السعادة«، فوجد نفسه في اليوم التالي في مخفر التحقيق الذي دخل إليه وخرج منه دون أن يعرف حتى ما هو الخطأ الذي ارتكبه في سبقه الصحافي المشؤوم. بالنسبة لي، سأعترف لكم أنني ولله الحمد لم أتلق في حياتي مع الكتابة فرماناً رسمياً أو حتى رسالة شفهية بالإيقاف. ربما لأنني خرجت للقلم في لحظة مناسبة من حرية التعبير ومسطرة الزمن. ربما لأنهم يظنون أنني مدعوم وربما لأنهم عرفوا خطي الوطني الواضح الذي لا يرى في هذا العالم شيئاً غير حدود وطنه. ربما لأنني أكتب أصعب القصص ولكن بطريقتي التي تحرث المكان دون أن تخدشه. لكنني في مرات نادرة آثرت الانسحاب الوقتي والاختباء في الظل، ولمصلحة هذه المطبوعة الغالية. أشهرها حين كتبت قبل فترة عن »طيارة« أمين المدينة الشهيرة، فوجه رؤساء البلديات وكبار منفذي المشاريع بمقاطعة »الوطن« إعلاناً وخبراً، ثم ابتدأ اختراع مناسبات الملاحق الصحافية ونقلها إلى صحف منافسة، اقترحت على الإخوة »هدنة« الهروب رغم اعترافي أن ذلك كان اعترافاً بالهزيمة، وفي النهاية انتصر قلمي ولا زالت »طائرة الأمانة« كومة خردة على رأس الجبل. لماذا أكتب »مسطرة الزمن« سارداً هذه القصص في هذا الصباح. باختصار لأنني رأيتها الفكرة الأعلى للترحيب بعودة إمبراطور القلم العربي، قينان الغامدي، إلى الكتابة عبر بيته الأثير الذي لم يسكن ولم يسكنه هو شخصياً بأغلى منه. وفي مسطرة الزمن نفسها وحرية التعبير، كتب قينان قنابله الأربع في وصف الحالة القطرية قبل ثلاث سنوات بالتقريب: ومثلما قلت بالأمس غاب بعدها مشهد إدارة الرأي والصحافة المحلية. الفارق اليوم هو نفس »مسطرة الزمن« وإلا يستطيع قينان الغامدي إعادة نشر تلك المقالات، بدءاً من الأمس فالزمن يسمح ولكن ضمير الكاتب لا يسمح له بإعادة حرفية لمقال سابق. almosa@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia