Al-Watan (Saudi)

محمد السلمي

لكي تثبت إيران محاربتها للإرهاب والانضمام للجهود العالمية، عليها إيقاف خلق الميليشيات ودعم التنظيمات الإرهابية وتسليم قيادات القاعدة المتواجدة على أراضيها

- Mahsulami@alwatan.com.sa

وقعت يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي حادثتان على يد مسلَّحين في العاصمة الإيرانية طهران، في الأولى هاجم مسلَّحان ضريح الخميني بالبنادق الرشاشة، وفجّر أحدهما نفسه بحزام ناسف، وأصابوا عددًا من أفراد الأمن، وفي الثانية هاجم أربعة مسلحين مبنى البرلمان الإيراني واحتلوا طابقَين من طوابقه وأطلقوا النار على رجال الحراسة والمواطنين، وأعلن حسين ذو الفقار، نائب وزير الداخلية الإيراني، أن عدد ضحايا الهجومين، بلغ 13 قتيلًا و43 مصابًا.

هذه الأحداث كشفت كثيرًا من جوانب الضعف في الداخل الإيرانيّ وبنية النِّظام الحاكم، وأثارت بعض الاستفهاما­ت نعرض أهمها في ما يلي:

- سهولة دخول المسلَّحين إلى مقر جهة حكومية يُفترض أنها تتمتع بحراسات أمنية مشددة، وقد كشف ذلك أحد المصابين عندما زاره وزير الصحة الإيرانيَّة إذ قال: »كيف يُعقل في الهيئة التشريعية وسط منطقة بهارستان أن يدخلوا بأسلحة بهذا الحجم؟! لم يكُن هناك أي عنصر من الشرطة، ولا أي قوات أمنية«، وهذا يثير الشكّ حول العملية بأكملها، وما إذا كانت مدبَّرة. نعلم أن إيران تواجه تحديات أمنية على حدودها، بخاصَّة في كردستان وبلوشستان، وأنها في مواجهات مسلَّحة مع عناصر انفصالية، فهل عجزت إيران عن مواجهتهم فرأت وصف تلك التنظيمات بالدواعش لكسب التعاطف الدولي والتجهيز لعمليات عسكرية ثقيلة ضدّ الأقلِّيَّات العرقية، بخاصَّة في شرق البلاد وغربها؟ يؤيد هذه القراءةَ انتشارُ مقطع فيديو مطلع الأسبوع الجاري يُظهِر توجه أرتال ضخمة من الدبابات وراجمات الصواريخ الإيرانيَّة نحو الحدود مع الباكستان.

- تدنِّي مهارات رجال الأمن في التعامل مع المسلَّحين، فقد شاهدنا الإرهابيين يظهرون عبر النوافذ ويطلقون النار، وبعضهم يخرج ثم يعود إلى داخل المبنى بكل سهولة، فأين الاحترافية في التعامل مع هذا النوع من المسلَّحين؟ وأين القنَّاصة؟ وأيضًا أظهرت الصور اختباء رجل أمن مسلَّح وراء بعض المدنيين دون أن يحاول مواجهة المسلحين، ناهيكم بحماية المدنيين.

- أظهرت مقاطع فيديو مصوَّرة في إيران حدوث تشابُك بالأيدي بين عناصر من قوات الأمن الداخلي وآخرين من قوات الحرس الثوري المتخصصة في التعامل مع الشغب، ويبدو أن كل جانب كان يرغب في التعامل بطريقته مع حادثة البرلمان، في ما يمثّل صورة مصغرة لطبيعة البنية السياسية في النِّظام الإيرانيّ، ففي إيران مؤسَّسات الحكومة المرتبطة بوزير الداخلية ورئيس الجمهورية، وفيها »دولة الثورة« المرتبطة بالحرس الثوري والمرشد الأعلى علي خامنئي، وهذا الصراع أمام الجميع يكشف حقيقة عدم التنسيق وعدم التناغم، وربما حقيقة التنافس غير الشريف بين أجنحة النِّظام الإيرانيّ.

- كشف ردّ الفعل بعد الحادثة في طهران ارتباك النِّظام الإيرانيّ، بخاصَّة الحرس الثوري، فقد وجدنا العميد حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري يتّهم السعوديَّة صراحةً بالوقوف وراء العملية المسلَّحة، ثم يخرج بعدها وزير الاستخبارا­ت محمود علوي ليقول إنه لا يزال من المبكر التأكُّد من تورط السعوديَّة في هذه الحادثة. أيضًا خرج بعض مَن وصفوهم بـ»خبراء اللغة العربية في إيران« ليقولوا إن لهجة المتحدث الذي ظهر في التسجيل الذي بثَّه تنظيم داعش تؤكّد أن العناصر المسلَّحة تتحدث بلهجة مغاربية، وحدّد اللهجتين الليبية والتونسية. الواقع يؤكّد أن مَن تحدث بالعربية ليس بعربي، وأكبر دليل على ذلك كلمة »أتزُنُّون« )أتظُنُّون). الأهَمّ من ذلك أن إيران بعد ذلك أصدرت قائمة بالعناصر المسلَّحة التي قُضِيَ عليها، وجميعهم يحملون الجنسية الإيرانيَّة!

- نشرت وسائل الإعلام الإيرانيَّة صورًا لأحد القتلى من العناصر المسلَّحة، ونجد فيها شيئًا غريبًا، فتارة تُظهِر الصور المسلَّح مطروحًا على الأرض منتعلًا حذاءه، وتارةً أخرى تُظهِره وقد ألُقِيَ الحذاء إلى جواره، وتارةً جسده منحنٍ وتارةً منبسط، وتارة بنطلونه ممزَّق وتارةً سليم، مما يوحي باحتمالية تلفيق هذه الصور التي يشير فيها الأمن الإيراني إلى تمكُّنه من قتل المسلَّحين منفِّذي العملية.

- للمرة الأولى يتبنى تنظيم داعش عملية مسلَّحة ولا يزال التعامل الأمني معها مستمرٍّا، فعادةً يتبنى داعش عملياته بعد ساعات من وقوعها، مما يثير علامات استفهام كثيرة!، فهل أرادت قطع الطريق على جهات أخرى من جهة ونفي التهم التي ترى ارتباطها بنظام ولاية الفقيه، من جهة أخرى؟ لماذا وجهوا خطابهم باللغة العربية بينما إيران تتحدث الفارسية ولاحقا ثبت أنهم من الإيرانيين؟ أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة!

كان المسؤولون الإيرانيّون يقولون إن تنظيم داعش لن يجرؤ على الاقتراب من الحدود الإيرانيَّة، ناهيك باختراقها، وأن الشعب الإيرانيّ بشيعته وسُنَّته أبعد ما يكونون عن التأثُّر بالفكر الإرهابي. بعد هذه العملية، إذا ما سلّمنا جدلًا بأن منفّذيها مرتبطون بداعش فعلًا، ثبت أن إيران ليست بالقوة التي تحاول أن تصوِّر نفسها بها، والأهمّ أنه حتى إذا كانت علاقة إيران بالتنظيمات الإرهابية جيدة، سواء القاعدة سابقًا أو داعش حاليٍّا، وبينها وبينهم مصالح مشتركة، فالإرهاب يستهدف الأقرب إليه إذا شعر بتضييق الخناق عليه، وهذا أيضًا يعيدنا مجدَّدًا إلى تسجيل الفيديو عندما قال المسلَّح »أتظنون أننا سنرحل؟«، فإذا كان هؤلاء دواعش فعلًا فماذا يعني بـ»نرحل«؟ هل قرَّرَت إيران التخلي عنهم وطلبت منهم المغادرة فانتقموا منها؟

ختامًا، الإرهاب معضلة عالَمية، تحتاج إلى جهود كبيرة للقضاء عليه ومحاصرته، وإلى تعريف دقيق ومواجهة جادَّة لجميع التنظيمات الإرهابية، شيعية كانت أو سُنّية، المستقلة وتلك التي ترعاها الدول وتموِّلها، وما لم يتحقق ذلك فسيستمر الخطر ولن ينجو منه أحد. ولكي تثبت إيران محاربتها للإرهاب والانضمام للجهود العالمية في هذا الصدد فعليها إيقاف خلق الميليشيات ودعم التنظيمات الإرهابية وتسليم قيادات القاعدة المتواجدة على الأراضي الإيرانية، بمعنى الجميع ينتظر أفعالا لا مسرحيات ومراوغات.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia