Al-Watan (Saudi)

مفاهيم واستدلالات في غير محلها

-

أنزل الله كتابه هدى وشفاء وموعظة وتبيانا لكل شيء، فهو صالح لكل زمان ومكان، وقد قال أهل العلم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن ذلك لا يعني الاستدلال به على معان مخالفة تعود عليه بالإبطال والإيهام، ومن ذلك ما يلي:

1 بعض الناس إذا أراد التحذير من معاقبة الناس، دون تثبت وإقامة حجة، يقول: لا يصح أن يؤخذ الناس وفق قاعدة: (خذوه فغلّوه) ومعلوم أن هذه الجملة هي آية كريمة في سورة الحاقة، وهي لا تدل على ما استدلوا به، لو كانوا يعلمون، وما كان ينبغي لهم أن يقتطعوا هذه الآية الكريمة من سياقها، ويحذفوا ما يوضحها من الآيات بعدها، ومعاذ الله أن يكون معنى قول الله تعالى (خذوه فغلوه) إنزال العقوبة دون بيان، وإقامة للحجة، فالله تعالى يقول (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، ولذلك فإن قول الله تعالى: (خذوه فغلوه)، إنما هو في حق من لم يمتثل ما أمره الله به من الإيمان به، وإطعام المساكين، بدليل قول الله تعالى: (خذوه فغلّوه * ثمّ الجحيم صلّوه * ثمّ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه * إنّه كان لا يؤمن باللّه العظيم * ولا يحضّ علىٰ طعام المسكين * فليس له اليوم ها هنا حميم)، فكما ترى سبب أخذه وعقوبته، هو كونه لم يؤمن بالله العظيم، ولم يحض على طعام المسكين، وعليه: لا يصح أن يستدل أحد بآية من القرآن الكريم على معنى لا علاقة له بالآية، فإن قال لا أقصد معنى الآية، قيل له: تجنب الآية، وقل ما شئت من كلام مباح، لأن إيراد الآية في غير سياقها يرسخ معنى خاطئا، وإن لم تقصد ذلك، فيفهم بعض الناس أن آية (خذوه فغلوه) تعني العقاب دون مسوّغ.

2 بعض الناس يفهم معنى المحروم الوارد في قوله تعالى: (للسائل والمحروم) أنه من حرم نفسه من الاستفادة مما أنعم الله عليه من أموال وممتلكات، فيقولون: هو محروم، ويعطونه من الزكاة عملا بالآية، وهذا خطأ، فهو وإن

حرم نفسه من ماله بسبب بخله، إلا أنه ليس المعني بالآية الكريمة، ولا يستحق أن يعطى من الزكاة، لأنه غني،

ولو أعطي لوضع ما يعطاه مع الأموال التي لم يستفد منها، وعليه: فمعنى المحروم في الآية: هو من حرم الصدقة لتعففه، وعدم سؤاله، ولهذا جمعت الآية بين السائل والمحروم، قال تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم) أي: أن السائل لفقره يعطى من الزكاة، ومن حرم الصدقة لتعففه، وعدم سؤاله، يعطى من الزكاة، أما من حرم نفسه من أمواله لبخله، فليس له حق في أموال المسلمين، وليس هو المراد في الآية.

3 يفهم بعض الناس من جملة (عليكم أنفسكم) الواردة في قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) أنها تعني الاكتفاء بإصلاح النفس، وعدم دعوة الغير للخير، وهذا الفهم غير صحيح، فالمؤمن مأمور شرعا أن يصلح نفسه، ويدعو غيره إلى الخير، والدال على الخير كفاعله، وعدم الضرر الوارد في قوله (لا يضركم) هو لمن اهتدى، لقوله تعالى (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) بهذا القيد (إذا اهتديتم)، ومن لم يفعل ما أمره الله به، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو ناقص الهداية، فالآية إنما تدل على أن المؤمن إذا فعل الخير بنفسه، وقام بما أوجب الله عليه تجاه غيره، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه بذلك لا يضره من ضل، لأنه لم يقصّر، وإنما قام بما أوجب الله عليه، فيكون إثم من ضلّ بعد البيان على نفسه، وفي هذا يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم..الآية} وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: »إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله، عز وجل، أن يعمهم بعقابه«.

4 يفهم بعض الناس من قوله تعالى: (الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) أن الظلم المذكور بالآية هو ظلم الإنسان نفسه، وأن من فعل ذلك فلا أمن له ولا هداية، وليس الأمر كذلك، والصواب: أن المراد بالظلم في الآية هو الشرك، لأن الشرك ظلم، كما في قوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)، قالوا: فأينا لم يظلم نفسه يارسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بذلكم، ألم تسمعوا إلى قول لقمان: (إنّ الشّرك لظلم عظيم)..

5 بعض المسؤولين وغيرهم

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia