السبب الذي جعلني أحسن إليك هو إسلامي
هذه العبارة قالها المسلم الذي أعاد محفظة الرجل البريطاني، وهو يوثق التجربة بالتصوير بطريقة تجعلك وأنت تتأمل الموقف والعبارات الواردة فيه بحزن بالغ جدا جدا. هل وصل المسلمون إلى هذه الدرجة لإبراز قيم دينهم؟ هل لم نعد نعرف ماذا نفعل لدرجة حمل كاميرا لنقول للعالم احذروا نحن جيدون نعيد لكم مفقوداتكم ونصور ردة فعلكم، ونحن نقول لولا أننا مسلمون لاحتفظنا بها. في قاعات دراسة اللغة أول شيء تلاحظه هو حرص السعوديين على الربط بين الدين وبين أي تصرف أخلاقي أو ميزة إيجابية في مجتمعنا، حتى لو كانت شيئا موجودا في كل دول العالم، فيرددون نـحن نـحترم الكبير لأن ديننا يأمرنا بذلك، نحن نعطف على الفقراء لأن ديننا يأمرنا بذلك، ونحن أيضا نحب آباءنا لأن ديننا يأمرنا بذلك. في الحقيقة لم أشاهد يوما أستاذا بريطانيا يستوقفهم ليقول عذرا إننا نفعل كل هذا لأننا أمناء وأوفياء وإنسانيون، هذا جوهر ذواتنا وليس شيئا آخر منفصلا عنها، لكنني سمعت من عجوز أميركية في مشهد في اليوتيوب تقول فيه متذمرة: أود مصادقة مسلمين لكنهم دائما يحاولون تغيير إيمانياتك ويريدونك مثلهم مسلما. في الحقيقة أن الإسلام سبق أن أخبر المسلمين قبل ألف وأربعمئة سنة »خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا«، بمعنى أنك إذا كنت شخصا صالحا في نفسك فستكون نفس الشخص بعد الإسلام، فمسألة تغيير أخلاقك وتهذيبها مسألة تعتمد عليك، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنَفُسِهِمْ) [الرعد:11[ ثم يقول في إشارة لحقيقة ضبط الأمور في المجتمعات إن »الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن«، وهذا الأثر الأخير يظهر عظمة هذا الدين، فهو دين يحترم التنظيمات والقوانين المرنة المتطورة التي تلتقط كل وسيلة لتحسين قيم بلدانها ومجتمعاتها. لذا عندما تزج بالإسلام في مسألة كهذه وتدعي أنك لم تسرق محفظة الرجل لأنك فقط مسلم، وليس لأنك رجل مليء بالقيم في ذاتك تحترم قوانين البلد وأنظمته تحرج دينك. فأنت تتصور أنه الدين الوحيد الذي يدعو للأخلاق، بينما كل الأديان تقدمها وتجلها، بل حتى الشيوعية والعلمانية تدعو لمكارم الأخلاق تقريبا بنفس النسبة ونفس القوة، فما الذي تغير؟ أنت رجل محترم يا سيدي، ينبع التغيير الإيجابي من داخلك لذا لم تسرق محفظته، وأنت تعلم أن في بلادك المسلمة هناك لصوص، بل إن في موسم الحج يكثر النشالون، فما هو ردك على هذا الرجل لو سأل مثلاً لماذا البلاد المسلمة هي الأكثر فسادا في العالم والأقل تطبيقا لقيم العمل والصدق والإحسان؟ هل ستحرج دينك في هذه اللحظة وتدعي أن ثلاثة أرباع الموجودين في العالم الإسلامي ليسوا مسلمين جيدين، إذن أين الخلل؟ الخلل في ذواتنا كمسلمين لم نحقق التغيير كما أراده الله -عز وجل- لتتمكن قيم الدين من قيادتنا نحو الصلاح. الشيء الأخير الذي أريد التنويه عنه تحسين صورة الإسلام لا يأتي بهذه الطريقة غير المهذبة والتي ظهر فيها الرجل البريطاني أكثر تهذيبا وهو يوافق على اقتحام خصوصيته وتصويره، لكنه لم يقل أنا لا ديني وأتحمل منك ذلك.
azza@alwatan.com.sa