Al-Watan (Saudi)

يموت الشجر واقفا إلا في عسير

-

قبل حوالي عام ترك مسؤولو بلدية حينا في لندن رسالة على الشجرة المقابلة لمنزلنا مفادها أن شجرتنا وغيرها

في الشارع الذي نسكنه أصيبت بمرض يصعب معه علاجها واستصلاحها، وعبّروا عن أسفهم لاضطرارهم لاقتلاعها لمعالجة التربة. ولترضية السكان وعدوا بأن يعوّضوا كل شجرة من الأشجار الأصلية بشجرتين متحاذيتين. اختفت الشجرة من أمام بيتنا وتركت مكانها فارغا إلا من الذكرى. بعد بضعة أشهر أرسلت البلدية رسالة أخرى لتبشرنا باستصلاح ما أمكن من الجذوع واستخدامها في حديقة مجاورة كملاهٍ للأطفال.

انتهت هذه القصة القصيرة بزراعة شجرتين أمام كل منزل من المنازل المتضررة. هذه الأشجار وغيرها تحمل أرقاما متسلسلة محفورة على لوح معدني أخضر يزين الشجرة، تجعل هذه الأرقام الوصول للشجرة ومتابعة شؤونها وتحديد المسؤول عنها أمرا سهلا لمفتشي البلدية الذين يفحصونها دوريا كل عام.

الأشجار في العالم المتمدن لا تموت، بل تنتقل من وظيفة إلى أخرى، فهي للظل أو للزينة، وقد تتحول لمقعد أو أرجوحة أو منحوتة.

أغلب أشجار الحدائق مثلا التي تفقد وظيفتها كمصدر لتنقية الهواء وتبريده يتم استغلالها بطريقة تسعد شخصا

ما على الأقل وتعود بالمنفعة على التغذية البصرية والفنية للمجتمع ككل.

كل شجرة في الأحياء السكنية تحمل رقما يدل على مكانها وعمرها، عرفت هذا عندما سألت جارتي عن سر الحزام العريض الذي وضعته على الأغصان العلوية لشجرة حديقتها الأمامية، فبينت أن هذه الشجرة عمرها أكبر من المنزل، وهي لا تريد أن تقص أيا من أغصانها، ولذلك تطلب من البلدية سنويا تقليمها وربط أغصانها بحزام جلدي عريض للحدّ من حجب أغصانها المتشابكة للرؤية ولضوء الشمس. حتى البيوت المستحدثة في الحي يتعهد مطوروها بعدم قطع الأشجار في البيوت التي يقومون بهدمها وبنائها، فيهدم كل ما حولها وتبقى هي شاهدا على تتابع السكان والبناء، وقد رأيت هذا بنفسي في أكثر من منزل، تقديرا للحياة المتمثلة في هذا الكائن العظيم.

التعليم في هذه الدول كذلك يقوم بدوره في تعزيز أهمية الشجر والغطاء النباتي قولا وتطبيقا، على سبيل المثال تقوم المدارس بتشجيع طلابها على الاحتفاء بالنبات من خلال زراعة حديقة صغيرة خلف المدارس في عمر الروضة والابتدائي­ة، بينما يسهم الأطفال الأكبر سنا في الاعتناء بهذه الغرائس أو المشاركة في حملات تطوعية لتجميل وتنظيف الحدائق المحيطة بالمدارس.

حتى الطلاب الدوليين من خارج هذه الدول يسهمون في عملية التشجير، على سبيل المثال في عام 2009 شارك عدد من المبتعثين في تشجير المرتفعات المحيطة بالعاصمة الأسترالية كانبرا، كجزء من متطلبات التخرج والخبرة العملية في خدمة المجتمع. وظّف المتطوعون إحدى عطل نهاية الأسبوع في تلك الأيام لزراعة 50 ألف شجرة زرعوا خلالها رقمـا مقاربا. هذه الدول تعرف أهمية الغطاء الأخضر، وتقوم فيها المجتمعات بدورها في الحفاظ على الأشجار إدراكا ووعيا منها لضرورة اتخاذ مثل هذه الإجراءات.

لا نريد حملات مليونية، لكن ما الذي يمنعنا من يظلله الحديد، مما يجعل الجلوس تحته قطعة من العذاب في صيف الشرقية!

الغريب حقيقة ألا نكترث للتشجير، ولا نـحمل هم الخضرة مع احتياجنا الواضح لكل عود أخضر! أهمية الخضرة والغطاء النباتي يحفظها أغلبنا عن ظهر قلب، ولكن هل أثرت هذه المحفوظات في زيادة أعداد الشجر؟ أو أوقفت الاحتطاب الجائر؟ أو منعت المترددين على البر من إشعال النار في جذور بعض الأشجار المعمرة كما رأينا في وسائل عديدة؟ لدينا خلل واضح في ما نعرفه وما نطبقه، فمؤخرا كادت قلوب الكثيرين تقفز من صدورهم كمدا وهم يشهدون مصرع أشجار في منطقة عسير. انتزعها مأمورون من عمالة مغلوبة على أمرها، ارتطمت الأشجار المرتفعة بالأرض، وفي المسافة بين الوقوف والسقوط حضرت ملايين الاعتراضات من البشر والطيور! فلماذا تقطعون الأشجار ولا تنقلونها يا أمانات المناطق؟!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia