Al-Watan (Saudi)

الشخصية النكدية

- عايض الميلبي

كما أن الناس مختلفون في ألوانهم وهيئاتهم، هم أيضا مختلفون في طبائعهم وأسلوب تعاملهم مع غيرهم، وعبر الاحتكاك اليومي مع البشر تكتشف تنوع شخصياتهم وتفاوتها، فثمة فئة لا تمل الجلوس معها، ولا يأتيك منها قبيح قول أو فعل، بينما هناك فئة أخرى يُعد قربك منها أعظم ابتلاء، ومن ذلك فريق ذوي الشخصية النكدية، والمصيبة الكبرى أن يكون صاحب هذه الشخصية زميلا في العمل، أو ابنا، أو زوجة أو زوجا، أو أخا أو أختا، أو أي شخص تُجبر على التواصل معه بصورة دائمة.

الشخصية التي نتحدث عنها، لا يمكن التكيف معها أو مسايرتها، مهما حاول الطرف الآخر ممارسة نهج التغاضي والحكمة، ولو تسلح بالصبر والحلم، لا بد أن تخرج الأمور عن سيطرته في لحظة ما، ومن يود احتواءها لحظة هيجانها، هو تماما كمن يود احتواء حريق شب في هشيم، فالمنطق، والعقل، والهدوء، جميعها مفردات تغيب عن الإنسان النكدي وقت حاجتها، ومن أبرز سماته تصيد الأخطاء، وتعظيمها، والظن السيئ، وتفسير الأحاديث والوقائع من زاوية الحقد والكره، والدفاع عن النفس بأي وسيلة سواء كذبا، أو رفع صوت، أو ادعاء ظلمز يعجبك قوله عن الأخلاق والمبادئ، إلا أنها لا تتجاوز حنجرته، يرسم لك صورة وردية ثم يحرقها بما فيها، من الصعب نصحه، وإقناعه بأنه ليس سويا، فهو دائما وأبدا يعتقد أنه أصلح الناس، ويلوم من حوله، ويحملهم ما يتسبب به من مشاكل.

وحتى يتضح المقال، نأخذ المثال التالي، تذهب مع أحدهم إلى مركز تسوق، وفي خضم تجولكما داخل المركز تلتهي في أحد المتاجر؛ لرغبتك في معاينة ما لفت انتباهك من بضاعة، وقتئذ يفقدك رفيقك فيتصل بك، فيجد أن جوالك خارج التغطية، ويبدأ بالبحث عنك بين المتسوقين، وهو في حالة غيظ، ونكد، وبعد دقائق يجدك وقد اشتد غضبه، فيبادرك بهجوم كاسح، ويمطرك بعبارات لا معنى لها، تقول: له اهدأ، فيقول: كيف أهدأ مع أمثالك، لقد ندمت على ذهابي معك، ويزيد، لماذا تغلق جوالك؟ تجيبه: لم أغلقه، فقد كان خارج التغطية، يواصل همجيته قائلا: أنت دائما هكذا، أعرف أسلوبك، لماذا لا تسير بجانبي وتخبرني إذا أردت الذهاب لأي مكان؟ تحار في شأنه فتتحول لمخاطبته بالمنطق، علك تصل معه إلى نقطة تفاهم، فتقول: يا أخي نحن في المكان نفسه، وأنا لم ابتعد عنك، ولم أتأخر سوى بضع دقائق، ولم يحدث شيء، أعجبني هذا فتوقفت عنده؛ راغبا في شرائه، وجوالي شبكته ضعيفة في هذا الموقع، عندها يبتعد عن الرد، ويطلب منك إيصاله إلى بيته، لأنك إنسان لا تقدّر ولا تفهم شيئا، بحسب فكره الضيق، هكذا هي الشخصية النكدية لا تصل معها إلى نتيجة.

وقبل الختام، نشير إلى أن الشخصية النكدية، تتشكل بتوافر عدة عوامل: أولها العامل الوراثي، ثم التربية، وكذلك المحيط الذي ترعرع فيه الإنسان ونشأ، إذ إن ظروفه وسلبياته تنعكس بشكل واضح على شخصية الفرد، ومعضلة هذه الشخصية تكمن في أن محاولة تقنين مزاجها المتقلب أمر في غاية الصعوبة، وأظنه يندرج تحت نطاق المستحيل.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia