Al-Watan (Saudi)

تكنولوجيا الحب

-

ربما قرأتم يوما عتاب ابن الدمينة، الشاعر العامري الجميل، لحبيبته أميمة عندما قال: »وأنت التي كلفتني دلج السرى وجون القطا بالجلهتين جثوم « مذكّرا لها ما عاناه في وصالها، وهو يقطع القفار ليلا ليلقاها ربما لساعات أو دقائق، ثم يمضي كل واحد منهما محملا بأسى الفراق بعد شبه لقاء يبدو أنه لم يُرضِهما أبدا، كما تذكره ردودهما الشعرية على بعضهما بعضا، هذا التكلف في التواصل امتد حتى اختراع التليفون. اُنظر إلى ما كتبه عبدالله بخيت عن نصيب عشاق الرياض في القرن العشرين من المعاناة في التواصل. على كل حال، عشاق هذا الزمان محظوظون جدا، فقد قدمت وسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط فرصة للقاء افتراضي، لكنها أيضا مهّدت للوقوع في الحب، خاصة في بلاد مثل بلادنا، مازالت فرص لقاء الجنسين فيها معدومة تقريبا، وبالتالي الوقوع في الحب الذي هو على كل حال أحد مبررات رافضي الاختلاط، فيقولون لو التقى الرجال بالنساء ربما يقعون في الحب، ثم نظرة، ثم...إلخ، القصيدة التي حفظناها صغارا مما يستوقفني الآن. حسنا الناس تجاوزوا مثل هذه الأمور، ولم يعودوا يحتاجون إلى نظرة بل تغريدة في »تويتر«، يتبعها حديث على الخاص، ثم »واتساب« ثم يقعون في الغرام، فهل سنبقى على رأينا بخصوص الاختلاط، وهو يتحول إلى أمر حتمي لا يمكن تجنبه في عالم التكنولوجي­ا؟ في لندن، وفي محطات الباص، ستجد إعلانا عن موقع موضوع رابطه بين قلبين، يخبرك أنك ستجد عشرات الحسابات للباحثين عن علاقات جادة، لأتساءل: هل اكتشفوا أن التعرف عبر الإنترنت لفترة ما قبل التلاقي الحقيقي، ربما يكون سببا لعلاقة حقيقية يعقبها زواج مثلا؟ هل سهولة التواصل مع الطرف الآخر، وقضاء أوقات طويلة، ومحادثات مرئية في العمل وفي القطار وفي البيت، وحتى قبل الاستعداد للنوم، يؤسس لعلاقة جيدة؟. لكن، إلى أي حد نستطيع معرفة الآخر والوقوع في حبه عبر الإنترنت، وهل لو التقيناه فيما بعد سنجد فرقا فتؤثر التكنولوجي­ا على درجة وسامته أو التفكير قبل كتابة جمله التي يوفرها الـ«واتس« على مقدار الحكمة في حديثه، أو ربما ليس مجرد تأثير في الدرجة بل خداع كامل. إحدى السيدات الأميركيات تركت زوجها وأطفالها لأجل رجل حدثته عامين في »فيسبوك«، لكن بعد أن حطّمت كل شيء، وقررت مقابلته والزواج منه، اكتشفت أنه أنثى متحولة إلى رجل، وكان ذلك صادما لتطلعاتها، فحاولت إصلاح خطئها ولم تستطع، فانتحرت. هل هناك مَن خاضت في هذا الموضوع؟ لا أعرف، لكن كل ما أعرفه أنه في بلادنا بالذات حققت التكنولوجي­ا معجزة نشر الحب، وتوزيع باقات الورود الحمراء، خاصة حتى لو كان كل طرف من العلاقة في بلد.

azza@alwatan.com.sa

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia