Al-Watan (Saudi)

تحالفات سوق الغاز العالمية وتناقضاتها

في حال التنسيق المصري-السعودي، يمكن مد شبكة خطوط أنابيب غاز عملاقة، تنقل الغاز السعودي والمصري إلى أوروبا عبر البحر المتوسط

-

أصبحت منطقة الشرق الأوسط وما تعيشه من أزمات وتناقضات مثالا لتعقيد الأمور وتشابك المصالح وتنافرها، فلايمكن الجزم إذا كانت الثروات الطبيعية، مثل الغاز والنفط، نعمة أم نقمة، ولا غرابة في أن يصرح ولي العهد السعودي، بعد إطلاق رؤية المملكة 2030، بأن السعودية تعمل بجدية على التخلص من »الإدمان على النفط.«

حاليا يتبلور إشكال في سوق الغاز بالمنطقة، فقطر ترغب في رفع إنتاجها منه، وهذا يهدد مصالح روسيا وإيران، لما بين قطر وإيران من حقول مشتركة، ولما تسعى إليه روسيا من احتفاظ بمكانتها كإحدى أكبر بلدان العالم إنتاجا للغاز الطبيعي.

في الوقت نفسه، تستورد تركيا الغاز من إيران، وبين الدوحة وأنقرة تناغم سياسي واقتصادي، وإذا أوصلت قطر غازها إلى تركيا، فهذا يعني أنها على أبواب أوروبا، مما يفتح لصادراتها من الغاز أسواقا جديدة.

ويفكر الرئيس التركي إردوغان في استثمار دعمه لقطر، عبر الحصول على الغاز بأسعار مخفضة، ليتخلص من الضغط الإيراني المستمر. هنا يمكن الإشارة إلى سابقة بين إيران وتركيا، وهي تعثر صادرات الغاز الإيراني لتركيا عبر الأنابيب، وقلّتها عن المتفق عليه، مما سبب خسارة اقتصادية جعلت تركيا تقاضي إيران في المحاكم الدولية.

وإذا فكرت قطر في تصدير الغاز إلى تركيا، فستحتاج إلى مد أنابيب عبر الخليج العربي إلى العراق أو إيران، ثم إلى تركيا، ولن تسمح إيران بمرور هذه الأنابيب عبر أراضيها، أو حتى المياه الإقليمية أو أعالي البحار، لأنه يقلل نصيبها من السوق التركية.

وتركز إيران في صادراتها من الغاز حاليا على السوق الآسيوية، خاصة الهند وأفغانستان، وبين إيران وباكستان مشروع أنابيب غاز متعثر، كما تتفاوض إيران مع الهند لصفقة غاز استثمارية بـ11 مليار دولار.

وتنبأت قطر بهذا التوجه الإيراني، فألغت مؤخرا قرار تجميد حقل الشمال المشترك مع إيران، والذي كان مفعّلا منذ أكثر من 12 عاما تقريبا.

يُشار هنا إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، كانت إيران تتهم قطر باستغلال حقل الغاز المشترك في مياه الخليج العربي، بسبب ضعف البنية التحتية الإيرانية، والإنتاج الإيراني الضعيف نسبيا من الحقل، بل اُتُّهم بعض المسؤولين الإيرانيين بالتواطؤ والرشوة من الحكومة القطرية، بغض النظر عن الإنتاج القطري المتصاعد من الحقل دون غيره.

تمتلك إيران أكبر احتياط من الغاز في العالم، إلا أنها تستهلك معظم إنتاجها منه »في 2015 كانت إيران تنتج 192.5 مليار مكعب وتستهلك 191.2 مليارا«، وتستورد أيضا كميات كبيرة من أذربيجان وتركمانستا­ن، خاصة للمناطق الشمالية من البلاد.

فطهران، إلى جانب رغبتها في التخلص من الضغوط السياسية من تركمانستان في الشتاء القارس، والتهديد بقطع تصدير الغاز، كما فعلت العام الماضي، تحتاج إلى تطوير حقول الغاز المشتركة، خاصة مع قطر، وربما تستغل الأوضاع الراهنة للاستعانة بالتكنولوج­يا المستوردة التي تمتلكها قطر، لتطوير الجزء الخاص بها، وبالتالي ترفع معدلات إنتاجها.

أما روسيا فتُعد المورد الأول للغاز إلى كثير من الدول الأوروبية، وسابقا أبدت موسكو امتعاضها من أي محاولات أو تفكير إيراني جاد لتصدير الغاز إلى الدول الأوروبية، والاستيلاء على السوق هناك على حساب روسيا.

والآن، مع دخول قطر المعركة، فلن تقبل روسيا بذلك أيضا، وربما ينعكس على مواقفها السياسية من المثلث التركي-الإيراني-القطري.

في عهد أوباما، خلال المفاوضات النووية، كانت الولايات المتحدة بالفعل تُغرِي إيران سِرّا بسوق الغاز الأوروبية، وكانت موسكو تلوح بالورقة الإيرانية عند أي مفاوضات حول الأزمة الأوكرانية. حاليا تسير إدارة الرئيس ترمب في عكس اتجاه إدارة سلفه، ولكنها أيضا تواجه الإشكال الروسي، وتهدد الاتفاق النووي مع إيران بالإلغاء، أو بتشديد الرقابة، وفرض كثير من الإجراءات الصارمة ضد طهران.

بروز الأزمة الخليجية يُحيي الصراع على سوق الغاز، وبالتالي ستنعكس كل هذه الحسابات على المعادلات السياسية والتكتلات الجيو-سياسية في المنطقة، وسيظهر ذلك جليا إذا استمرت الأزمة الخليجية فترة طويلة، وهي مرشحة لذلك بالفعل، في ظل المعطيات الراهنة.

من جانبها، كانت السعودية تركز على عائدات النفط، وتتجنب سوق الغاز لأسباب كثيرة، حتى قيل إن الرياض تحرق الغاز ولا تصدره، إيثارا منها للجانب القطري في السنوات الماضية، فهل ستفكر السعودية حاليا في حصة من كعكة الغاز الأوروبية؟ وإذا أرادت ذلك فهل ستعمل على دراسة نقله عبر أنابيب إلى سواحل البحر الأحمر، ومنها عبر قناة السويس إلى أوروبا؟، وبما أن مصر لاعب رئيسي في التجاذبات السياسية الراهنة في المنطقة، فهناك خيار إستراتيجي يتمثل في استخدام احتياط الغاز المصري ورقة ضغطٍ، بعد اكتشاف حقول غاز مصرية عملاقة في البحر المتوسط »حقل ظُهر« منذ سنتين، وقربها من أوروبا واقتراب موعد الإنتاج من هذا الحقل العملاق، للاكتفاء الذاتي ثم التصدير، وفي حال التنسيق المصري-السعودي، يمكن مد شبكة خطوط أنابيب غاز عملاقة، تنقل كميات هائلة من الغاز السعودي والمصري إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وخلق عامل ضغط جديد ربما يقلب موازين اللعبة السياسية في الأسواق العالمية للطاقة.

عموما، فكرة إيصال نفط الخليج إلى القارة الأوروبية ليست وليدة اللحظة، فإيران كانت اقترحت في عام 2011 مد أنابيب الغاز من حقل »بارس الجنوبي« إلى العراق، ثم سورية، ومن هناك إلى لبنان، ليصب في البحر الأبيض المتوسط، ويسهل نقله إلى القارة الأوروبية.

وقبل ذلك بعامين، اقترحت قطر على بشار الأسد تأسيس خط أنابيب غاز من الحقل المشترك مع إيران

»القبة الشمالية-بارس الجنوبي«، ليمر عبر العراق وسورية، ثم عبر محافظة حلب إلى تركيا، وأيضا لإمداد تركيا بالغاز، وكذلك التصدير إلى أوروبا، إلا أن بشار الأسد رفض ذلك، بسبب علاقته مع إيران وروسيا.

إجمالا، يمكن القول، إن الخطوط متشابكة تمام التشابُك، والمصالح متضاربة تمام التضارُب، حتى بين الحلفاء السياسيين، ولا يبدو في الأفق والمستقبل القريب حل سلِس لهذا التضارُب، دون أن يبدأ جميع الأطراف بتوفير وتهيئة مصادر أخرى للتنمية الاقتصادية، بعيدا عن النفط والغاز. وإذا كانت الأزمة الخليجية ربما تقرب بين وجهات النظر التركية والقطرية والإيرانية، فإن هذا جانب تكتيكي أكثر من كونه إستراتيجيا، والدب الروسي يراقب عن كثب لحماية مصالحه وحصته العالمية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia